وأحسن ما ننصح به في دراسة الأدب العربي القديم هو كتابان للدكتور على الوردي، الأول هو «وعاظ السلاطين»، والثاني هو «أسطورة الأدب الرفيع»؛ فإن في هذين الكتابين ما يفتح العقول والعيون معا على حقائق تواطأ كثيرون على إخفائها، ولا يمكن لذلك فهم الأدب العربي بدونها.
الكتب العربية القديمة
في الفصل السابق ذكرنا ستة من الكتب التي تعد مراجع تدرس وتقتنى للرجوع إليها من وقت لآخر، وهي جميعا ضرورية. أما في هذا الفصل فسنذكر بعض الكتب العربية القديمة في الأدب والسياحات والتاريخ والعلوم، ويمكن القارئ أن يأخذ منها بالقدر الذي يريد، وأن يتوسع هنا ويتزيد، أو يقنع هناك ويقتصر، فلعله يؤثر الأدب على التاريخ أو العكس، ولعله يميل إلى الدارسات الفلسفية ويجب أن يقتني مؤلفاتها بدلا من كتب التراجم أو السياحات، والشاب الذي يدرس الثقافة العربية ، ويهوى فنا منها، يستطيع بعد قليل من الدراسة أن يسترشد مستقلا بفنه، كما يستطيع أن يتجاوزه إلى فنون أخرى تتصل به.
والثقافة العربية القديمة هي قبل كل شيء ثقافة الأدب، فهي غنية في هذه الثروة، وكي نعرف الأدب العربي على أحسنه وأنضجه وأفحله يجب أن نقرأ الجاحظ، بل يجب ألا نترك للجاحظ كلمة كتبها دون أن نعرفها ونتأملها؛ فإنه أعظم أدباء العرب قاطبة، وهو رجل موسوعي الذهن يكاد يكون بشري النزعة، وهو يتحمل المقارنة مع أي أديب أوروبي، ويخرج أحيانا من هذه المقارنة مزكى بل ظافرا، وربما يحسن بالقارئ أن يتقدم إليه بعد أن يقرأ الفصل البديع الذي كتبه في ترجمته ياقوت. وجمهور المثقفين يذكرون «البيان والتبيين» كأنه خير مؤلفاته، ولكن الواقع أن جميع مؤلفات الجاحظ من الطراز الأول وليس فيها شيء من الطراز الثاني أو الثالث، والانتقال من الجاحظ إلى أي أديب عربي آخر هو انحدار كبير؛ لأنه ليس بين أدباء العرب أيام الأمويين أو العباسيين من يقاربه، فضلا عن من يساويه؛ لأن الجاحظ كان في كل ما كتب يدل على اهتمامات ذهنية حيوية وكان يعالجها بنضج، إن لم نقل بفحولة، وهو عبقري في مجادلاته الدينية، كما هو في فكاهاته، بل كما هو في جولاته حتى في دراسة الحيوان؛ ولذلك فإننا نستطيع أن نقول إن الشاب الذي يجهل الجاحظ إنما يجهل شيئا كثيرا من أجود ما كتب قديما في اللغة العربية، ويأتي بعد الجاحظ الشعراء من أمثال المتنبي وابن الرومي وأبي تمام وأبي العتاهية والأخطل والمعري، ومن الحسن أن ندرس ترجمة طه حسين للمعري، ورسالة الغفران بتعليق كامل كيلاني.
ونصيحتنا للطالب هنا أن يدرس أديبا واحدا كل الدرس، فلا يترك له شيئا، وأن يلتفت إلى غيره بعد ذلك التفات المتنزه المختار؛ ولذلك فإن شرح ابن أبي الحديد على «نهج البلاغة» مثلا يعد من الكتب الفريدة التي نحتاج إليها في دراسة الجاحظ وغيره من الأدباء كما نحتاج إلى كتب أخرى قد تفرقت فيها أخباره وكتاباته، ونستطيع أن نسترشد بمؤلفات أحمد أمين في دراسة التطور الفكري في القرون الثلاثة الهجرية الأولى، وبكتاب عصر المأمون لفريد الرفاعي، وعندي أن الشخصيتين البارزتين في الأدب العربي القديم هما الجاحظ والمعري، أما من عداهما من الشعراء والكتاب فيمكن دراسته على مهل، بل في الضوء الساطع لهاتين الشخصيتين، بل أحيانا أظن أنه يمكن إهماله كله.
وهناك من يكبر من شأن المتنبي، وعندي أن قيمته تنحصر في دلالة الصراع الذي قام بين الروم والعرب، وكانت الدولة الحمدانية بؤرة في هذا الصراع، أما الهمذاني والحريري وأمثالهما فمؤلفاتهم يتداولها القراء، وهي كبيرة الدلالة التاريخية، أما القيمة الفنية فشأنها صغير جدا.
وعلى القارئ أن يسترشد في الشعر بحماسة أبي تمام ومختارات البارودي، وكلتاهما تفتح له الباب للتوسع.
ويجب أن ندرس كتب السياحات العربية، مثل ابن بطوطة وابن جبير؛ فإن ابن بطوطة رحل من شاطئ المحيط الأطلنطي (عند طنجة) إلى شاطئ المحيط الهادي (في الصين)، وهو يكشف لنا عن دنيا عظيمة في القرون الوسطى كنا نجهلها، أو نجهل الشيء الكثير منها لولاه، وأقل منه - ولكن أعقل منه - ابن جبير؛ فإنه يصف لنا أقطار البحر المتوسط، وإلى هؤلاء يجب أن نضيف الجغرافيين، أمثال الإدريسي، وكتاب ياقوت في البلدان، وهو معجم يحفظ للمراجعة.
أما العلوم العربية القديمة فثروتنا فيها صغيرة؛ فإن حياة الحيوان للدميري، ثم طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، وكتاب الأنطاكي في العقاقير، وكتاب البيروني عن الرياضيات، ومؤلفات ابن سينا، كل هذه العلوم التي تعالج الطب والمواد والرياضيات والحيوان قد اختلطت فيها الأساطير بالحقائق، وقيمتها كلها تاريخية، ويجب أن نسترشد هنا بكتاب «تراث العرب العلمي» لمؤلفه قدري حافظ طوقان.
واللغة العربية حافلة بالمؤلفات التاريخية، وقد ذكرنا الطبري في الفصل السابق وعددناه مرجعا للاستشارة، ونزيد هنا مؤلفات ابن الأثير والمسعودي وابن خلدون وابن خلكان (وهذا الأخير يترجم بحياة البارزين إلى عصر صلاح الدين).
صفحه نامشخص