وفي عالم الثقافة كتب تعد أمهات يجب أن يعرفها كل مثقف، ونعني كل مثقف في العالم، كي يصل إلى ما نسميه «العقل العام»، وقد وضع بعضهم قوائم «بمئة كتاب» وجدوا أنها ضرورية لكل دارس، وسنبحث هذا الموضوع في فصول قادمة.
وعلى القارئ - أو بالأحرى الدارس - أن يعنى بمكتبته، فيقتني أفخر الخزائن والرفوف، ويجلد الكتب؛ وذلك كي لا ينفر من بذاءتها، ويجب أن يجد في مكتبته كل إغراء لجذبه إليها، سواء من ناحية اعتدال الهواء فيها أو من ناحية اختيار الأثاث.
والشاب المحظوظ هو الذي يهوى الثقافة؛ أي إنه يكون قد تعودها عن هواية لازمته منذ الصبا، فهذا لا يكاد يحتاج إلى قراءة هذا الكتاب؛ لأن بين الكتاب وبينه علاقة فسيولوجية، فهو يختار الكتب عن حاجة نفسية يحسها، ونفسه تنمو بالكتب كما ينمو جسمه بالطعام.
ومما يحسن بالشاب أيضا أن يعمد إلى أحد المؤلفين العالميين الذين أحبهم ووجد لهم الأثر الكبير في عصرنا، فيقرأ ويدرس كل كتبه هذا المؤلف منذ شرع يكتب، ولا يترك شيئا له يستطيع الحصول عليه؛ لأنه حين يفعل ذلك يضم إلى اختباراته الشخصية اختبارات هذا المؤلف ورؤياه في الدنيا، وهو حين يتعرف إلى تطور المؤلف، وكيف تغير في أربعين أو خمسين سنة، إنما يتعرف إلى تطور العصر أيضا.
فلنفرض أن القارئ يحب طه حسين مثلا، فعليه عندئذ أن يترجم هذا الحب إلى دراسة كل ما كتبه طه حسين مما يباع ومما لا يباع، وعليه أن يتقصى كتاباته، وهو طالب بالأزهر قبل 45 سنة، وعليه أن يقرأ كل ما كتب ضده كما يجمع مؤلفاته، وهو بهذا النشاط ينتفع باختبارات طه حسين ورؤياه وكأنه قد عاش حياته وشاركه في مؤلفاته، وهكذا الشأن في سائر المؤلفين؛ فإننا يجب أن نختار واحدا أو أكثر، نتعرف إلى حياتهم واختباراتهم، ونجمع مؤلفاتهم، حتى نستبصر بالتطور الفكري الذي كانوا يدركونه فترة بعد فترة من حياتهم.
ولسنا نبالغ في قيمة الكراسة للتلخيص والتعليق؛ فإن الطالب الذي يحقق ويدقق يجب أن يقتني هذه الكراسة، ولكن يجب عليه أيضا أن يقتني كراسة أخرى يقيس أو يعين فيها مراحل رقيه الذهني بصرف النظر عن هذا الكتاب أو ذاك؛ أي إن الكراسة الأولى تختص بتقدير، الكتب أما الثانية فبتقدير رقيه الشخصي والذهني.
ويجب على الطالب ألا يسأم من التساؤل: هل أنا ارتقيت بدراسة هذا الكتاب؟ هل أنا ارتقيت في السنوات الثلاث الماضية؟ وما هي أوجه الرقي التي أستطيع أن أقول إني حققتها في هذه السنوات؟
وإذا كان هذا التساؤل قد يؤدي إلى شيء من النفور من الكتب فلا بأس في ذلك؛ لأن هذا النفور هو في صميمه زهد روحي وحديث نفسي سوف يؤديان إلى زيادة التحقيق والتدقيق في التثقيف الذاتي، بل ربما تكون هذه الفترات فرصة لتغيير القيم الثقافية والانسلاخ في الشخصية، كما تنسلخ العذراء وهي في فيلجتها - أي خدرها - إلى الفراشة، فيخرج الطالب بعد هذا النفور إلى اهتمامات جديدة لم تكن له من قبل، وقد يصل منها إلى آفاق أرحب، وأفلاك أبعد، فيعرف كتابا جددا يحصل منهم على تربية جديدة تثرى بها نفسه، وربما تتغير بها أهدافه.
دراسة اللغة العربية
اللغة العربية هي لغة الثقافة للأقطار العربية، نقرأ بها الكتاب والجريدة، وعلى ألفاظها بني المجتمع الذي نعيش فيه، فيجب أن ندرسها ونتعرف إلى ما جل ودق من معانيها، وهناك من السيكلوجيين من يزعم أننا لا نستطيع أن نفكر بلا لغة؛ أي إن معانينا إنما هي ألفاظ قبل كل شيء، وتفكيرنا إنما هو كلام صامت.
صفحه نامشخص