لقد ذكرت بعض المؤلفات الأوروبية للأطفال، ولكن مكتبة الأطفال والصبيان تتجاوز ما نتخيله عندما نعرف عناية الأوروبيين بأبنائهم، فهناك معاجم خاصة بهم يستطيع الصبي الذي لم تزد سنه على الثامنة أو التاسعة أن يبحث فيها عن الكلمات ويعرف منها المعاني التي يجهلها، بل لقد رأيت معجما أمريكيا يصور الأفعال، مثل ضرب وقتل وأكل بالصور، حتى ليمكن طفلا في الرابعة أو الخامسة من عمره أن يفهم معانيها.
بل ماذا أقول؟
إن هناك موسوعات للصغار «جونيور إنسيكلوبيديا» لا يقل ثمن الواحدة منها عن عشرة جنيهات أو أكثر ، قد ألفت للصبيان إلى سن السادسة عشرة، وهي بضعة مجلدات تحفل بالصور الملونة، كما هي مجلدة بالقماش أو الحور المتين، واعتقادي أن الصبي الذي يقتني إحدى هذه الموسوعات سوف ينشأ على أخلاق تسمو به في النظرة والنبرة إلى الحياة العلمية الفلسفية التي يشق على غيره أن يحياها لأنه لم يؤثث ذهنه بهذه المعارف الموسوعية ولم يؤلف شخصيته على الاهتمام بهذه الآفاق البعيدة المتعددة.
بل إني أعرف من المجلدات الصبيانية الأوروبية ما كنت أقرأه أنا وأنتفع به وأنا فوق الخمسين، وقد كانت تكتب في سهولة بحيث لا تشق على صبي في العاشرة.
إن مثل هذه الكتب والمعاجم والمجلات تخصب أذهان الصبيان، وتبسط لهم آفاقا من الثقافة، وتحبب إليهم الدرس والبحث حتى لأكاد أقول إنها تزيد ذكاءهم. •••
إني ما زلت أذكر طفولتي القاحلة حين كنا نتعلم المطالعة في كتاب يسمى «الفوائد الفكرية» أو في آخر يدعى «كليلة ودمنة» أو في غيرهما مما يخلو من الإغراء وبسط الآفاق.
كتب بلا صور، بل حتى كتاب كليلة ودمنة الذي يتسع لعشرات الصور المغرية المضحكة كان ولا يزال بلا صور.
بل إن تعليم حروف الهجاء، وكذلك قواعد اللغة، لا يزالان من المشقة بحيث يسأم الصبيان دروسهما، وما زلنا نسمي الحرف الأول «ألف» كما كانت الحال أيام الفينيقيين قبل ثلاثة آلاف سنة، مع أن الأوروبيين قد جعلوا هذا الحرف «أ» وذلك حتى لا يختلط على الطفل صوتا اللام والفاء في هذا الحرف الذي حين يتصل بالكلمة لا يزيد نطقه على «أ»، وقل مثل هذا في قواعد اللغة العربية.
لماذا نعذب صغارنا هذا العذاب؟
لقد أخبرني الأستاذ حسني العرابي أن المستشرقين الألمان قد جمعوا قواعد لغتنا التي يحتاج إليها القارئ والكاتب في اثني عشر درسا فقط، فلماذا لا نسأل ونبحث عن هذه الطريقة التي اتبعوها، ونتخذها ونعمل بها للتخفيف والتيسير؟
صفحه نامشخص