أما كتابنا التاسع فيجب أن نخصه بتاريخ مصر، وأعني تاريخ الاحتلال البريطاني لبلادنا، وهناك كتب حسنة نزيهة في هذا الموضوع، وقد ترجمت أنا لجريدة البلاغ كتاب بلنت «التاريخ السري للاحتلال البريطاني لمصر» وهو الكتاب الذي جعلني أحب عرابي ولا أصدق كلام المغفلين عنه، وقد طبع هذا الكتاب ولكن نفدت طبعته، ومع اعتقادي بأنه من الكتب النافعة؛ فإني أحب أن أضيف إليه كتابا آخر عن بلادنا هو «خراب مصر» لروذنستين، وفي كلا الكتابين تنوير ليس عن مصر وحدها بل - بالمقارنة - عن الاستعمار ووسائله الخسيسة في قتل الأمم بعد إيقاعها في شباكه.
أما الكتاب الأخير فيجب أن يختص بالحرب الكبرى الثانية، أسبابها ونتائجها وما جد فيها من مخترعات وما سبقها من حروب قريبة أدت إليها؛ لأننا يجب ألا ننسى أن الحرب هي أكبر سبب للحرب.
هذه هي الكتب العشرة التي أعتقد أننا يجب أن نكمل بها النقص في مكتبتنا العربية، حتى نغدو بها أمة عصرية لا تعارض التطور بل تدعو إليه، وأنا لا أقصد من تأليفها أو ترجمتها أن تكون كتبا اختصاصية لطلبة الجامعات، وإنما هدفي هو الجماهير القارئة في مصر والأقطار العربية حتى تحيا على الحاضر وتستيقظ في غدها على المستقبل.
المعاجم العربية
حز في نفسي، وجرح كرامتي، وأذل كبريائي الوطنية، أن أقرأ أن بيت لاروس صاحب المعاجم الفرنسية قد شرع يعد معجما عصريا للغة العربية في باريس.
وقد فهمت أنه يستعين في ذلك بخبرة المعلمين للغة العربية في كلية اليسوعيين ببيروت، وفضل هذه الكلية على لغتنا كبير جدا؛ فإنها هي التي طبعت ونشرت المجلدات العشرة لمجاني الأدب قبل نحو قرن، وبعض هذه المجلدات هو معاجم أدبية صغيرة تنير وتشير إلى المراجع، وهي أيضا التي أخرجت مجلة «المشرق» التي كثيرا ما عنيت بالدراسات العربية، وإن تكن نزعتها الدينية قد صدت عنها الكثير من القراء.
وقد كان الفضل أيضا لبيروت؛ إذ هي أخرجت لنا معجمين عربيين عصريين هما «محيط المحيط» و«أقرب الموارد»، وعليهما إلى الآن معتمد الكتاب والمثقفين في الأقطار العربية جميعها، مع أنه قد مضى على تأليفهما نحو سبعين سنة.
ومع أن لنا وزارة المعارف كانت تنفق نحو مئة ألف جنيه كل عام على شراء الكتب؛ فإنه لم يخطر ببال وزير من وزرائها أن يكلف أحدا كي يقوم بتأليف معجم عربي عصري للطلبة، ومع أن عندنا كلية تتخصص لدراسة اللغة العربية منذ سبعين سنة، هي «دار العلوم»؛ فإنه لم ينبغ منها واحد يرصد نفسه وحياته لتأليف هذا المعجم الذي تصرخ حاجتنا إليه، بل إن في جامعاتنا كليات تتخصص أيضا لدراسة اللغة العربية، بل اللغات السامية، ومع ذلك لم نجد من خريجيها أو أساتذتها من يسعى إلى تحقيق هذا المعجم، وإلى هذا نجد مجمع اللغة العربية الذي يرى أعضاؤه ويسمعون عن لاروس ومعجمه العربي الجديد ولا يبالون.
واعتقادي أن هناك أسبابا عديدة لهذا الإحجام؛ فإن وزارة المعارف التي كانت تشترك في ألف نسخة في إحدي المجلات الغثة التافهة، وتؤدي لصاحبها ألف جنيه كل عام، كانت ترفض إنفاق مثل هذا المبلغ ثلاث أو أربع سنوات لإيجاد معجم نافع يخدم الطلبة والمثقفين؛ وذلك لأن المجلة الغثة التافهة كانت على استعداد لأن تمدح، ولكن المعجم لم يكن الوزير لينتظر مدحه أو يخشى قدحه.
ثم إلى هذا يجب أن نذكر أن كثيرا من معلمي اللغة وأساتذتها نشأوا نشأة اتباعية وليست ابتداعية، كما أن طريقة تعليمنا لهذه اللغة قد ربط بينها وبين الدين، فانتقل إحساس المحافظة على الدين إلى اللغة، ولم تعد اللغة علما، بل أصبحت - كالدين - عقيدة، كلماتها وقواعدها لا تتغير، ولا يزاد عليها كلمة أجنبية إلا في خوف وتردد وإحجام، كأن مثل هذه الزيادة تتاخم الكفر أو تقاربه، وأصبح معلمو هذه اللغة يشبهون معلمي الدين، يتبعون الماضي ولا يبتدعون للمستقبل، بل إن «دار العلوم» الكلية التي تخصصت لتخريج المعلمين للعربية، قد وضعت من الشروط ما يحول دون الطالب المسيحي أو اليهودي أن يلتحق بها ويتخصص فيها لدرس اللغة العربية.
صفحه نامشخص