1
بعد أن فرضنا وبينا أن في الأشياء كونا وفسادا متصلين، وأن حركة النقلة هي علة تولد الأشياء يجب أن يكون من البين لدينا أنه ما دامت حركة النقلة وحيدة، فمن المحال أن الكون والفساد يوجدان جميعا في آن واحد ما دام أنهما ضدان؛ لأن علة موجودة وباقية هي بعينها وفي الظروف بعينها لا يمكن ألبتة أن تعمل إلا المعمول بعينه على حسب نظام الطبيعة، وبالنتيجة فإما أن الكون هو الأزلي وإما أن الفساد هو الأزلي.
2
وعلى ذلك يلزم أن يوجد عدة حركات وحركات متضادات، إما باتجاهها وإما بتفاوتها؛ لأن علل الأضداد هي أضداد كذلك. وليست النقلة الأولى إذن على التحقيق هي التي يمكن أن تكون علة كون الشياء وفسادها، بل النقلة على حسب الدائرة المائلة؛ فإن في هذه النقلة حقا يوجد في آن واحد اتصال لحركة واحدة وإمكان لحركتين؛ لأنه يلزم بالضرورة من أجل أن الكون والفساد يمكن أن يكونا متصلين أن تكون الحركة سرمدية؛ حتى لا تتخلف هذه التغايير نفسها أبدا. ومن جهة أخرى يلزم أن يكون عدد الحركات اثنين لا تكون إحدى هاتين الظاهرتين هي التي تبقى وحدها على الدوام.
3
وعلى ذلك إذن إنما نقلة العالم هي علة الأبدية، وإن ميل الدائرة إنما هو الذي ينتج التقريب أو التبعيد؛ لأنه قد يمكن أن تكون العلة تارة بعيدة وتارة قريبة، وبما أن المسافة غير متساوية فالحركة تكون غير متساوية كذلك، وعلى ذلك إذا كانت الحركة بشهادتها وقربها تسبب كون الأشياء فإن هذه الحركة نفسها بغيابها وابتعادها تسبب فساد الأشياء. وفوق ذلك فإنها إذا كونت باقترابها عدة مرات فإنها تفسد بابتعادها عدة مرات أيضا؛ لأن علل الأضداد هي أضداد بعضها لبعض.
4
يلزم أن يزداد على هذا أن الفساد والكون الطبيعيين يتحققان في زمان متساو. وهذا هو الفاعل في أن زمن مدة كل كائن وزمن حياته يمكن أن تعبر بالعدد وتتعين بهذه الطريقة. وفي هذا ترتيب ينتظم جميع الكائنات؛ فإن المكث والحياة هما دائما مقيسان بمدة ما تمضي. غير أن هذه المدة ليست واحدة بالنسبة للبعض الآخر، وإن المدة التي يقاس بها وجود الكائنات هي بالنسبة لهؤلاء سنة وبالنسبة لهؤلاء هي أكثر، في حين أنه بالنسبة لموجودات أخرى المقدار هو أقل.
5
إن الظواهر المحسوسة لشاهدة بصدق ما نقوله هنا. متى تطلع الشمس يحصل كون، ومتى تغرب يحصل فساد. وهاتان الظاهرتان تتحققان في أزمان متساوية؛ لأن زمن الفساد الطبيعي هو مساو لزمن الكون، ولكنه يقع غالبا أن الفساد أسرع بعلة تفاعل العناصر بينها، وفي الحق متى كانت المادة غير منظمة ولا واحدة بعينها في كل مكان لزم أيضا أن الأكوان التي تخرج منها تكون غير منظمة مثلها، وأن يكون بعضها أسرع والآخر أبطأ، وحينئذ يمكن أن يصير كون البعض فسادا للبعض الآخر.
صفحه نامشخص