5
فما هي إذن العلة في كل هذه الظواهر؟ إنها ليست في الحق لا الأرض ولا النار، وليست كذلك العشق والتنافر؛ لأن أحدهما ليس علة إلا لتأليف الأشياء والآخر لتفريقها. تلك العلة إنما هي أصل لكل شيء، وليست فقط كما يقول أمبيدقل:
اختلاط وتنافر للأشياء المختلطة.
فهي ليست إذن ما يسمى بالمصادفة وليست بعلة؛ لأنه ممكن تماما أن يوجد أحيانا اختلاط اتفاقي ومشوش.
6
إذن ما هو علة لكل واحد من الموجودات الطبيعية إنما هو تركيبها، إنما هو الطبع الخاص لكل واحد منها مما لا يقول عنه أمبيدقل كلمة واحدة، بل يمكن التأكيد بأنه لم يدرس الطبع حقيقة، ولو أن الطبع هو بالضبط النظام والخير لجميع الأشياء. ولكن أمبيدقل لا يشيد مطلقا إلا بذكر الامتزاج والاختلاط، ومع ذلك فليس هو التنافر، بل هو العشق الذي فصل العناصر، وهما على رأيه متقدمان على الله ذاته؛ لأن عناصر أمبيدقل هي أيضا آلهة.
7
إنه لا يتكلم كذلك على الحركة إلا بطريقة غاية في العموم؛ لأنه لا يكفي أن يقال إن التنافر والعشق هما اللذان يعطيان الحركة إذا لم يعين أن العشق ينحصر في أن يسبب النوع الفلاني من الحركة والتنافر في أن يسبب النوع الفلاني منها. وحينئذ كان يجب على أمبيدقل ها هنا، إما أن يحد الأشياء بالضبط، أو أن يتصور فرضا ما، أو أن يوضح توضيحا قويا أو ضعيفا مع ذلك، أو أن يخلص منه بأية طريقة أخرى.
8
رد آخر: إن الأجسام هي تارة متحركة بالقسر وضد الطبع وتارة هي ذات حركة طبيعية، مثال ذلك النار تتجه إلى فوق من غير أن يكون ذلك بالقسر ولا تتجه إلى تحت إلا بالقسر؛ فالحركة الطبيعية هي ضد الحركة القسرية، فبالنتيجة كما أنه يوجد حركة قسرية يوجد أيضا حركة طبيعية. فهل هو إذن العشق أو ليس هو العشق الذي يكون هذه الحركة الأخيرة؟ متى كان للأرض حركة تحملها إلى تحت فإنما هي حركة مضادة للائتلاف وتشبه الانفصال. إذن يكون التنافر هو أولى من العشق في أن يكون علة الحركة الطبيعية، وبالنتيجة يكون العشق أولى من التنافر في أنه مضاد للطبع، فإذا لم يكن لا التنافر ولا العشق يكونان الحركة، فلا يكون للأجسام أعينها لا حركة ولا سكون. ولكن هذا إنما هو نتيجة باطلة.
صفحه نامشخص