ولكن إذا كان «يكون ولا يكون» شيئا واحدا؛ فمن ثم لا يمكن أن يقال بعد على شيء إنه يكون، كما لا يمكن كذلك أن يقال عليه إنه لا يكون؛ لأنه كما أن غرغياس يقرر أنه إذا كان اللاموجود والموجود هما شيئا واحدا، فالموجود ليس يكون بأشد وجودا من اللاموجود بحيث ينتج أن لا شيء بموجود، كذلك يمكن أن يؤيد العكس أن الكل موجود؛ لأنه لما أن اللاموجود هو كالموجود تماما فيستنتج منه أن الكل موجود بالحقيقة.
78
بعد هذا الدليل هو يقيم دليلا آخر يقول: أن يوجد من شيء فإما أن يكون هذا الشيء لامخلوقا وإما أن يكون مخلوقا؛ فإذا كان لامخلوقا فهو لامتناه، على ما يفترض غرغياس بحسب مبادئ ميليسوس، ولكن اللامتناهي ليس في مكان ما، ما دام أنه ليس في نفسه ولا في غيره، وحينئذ يكون إذن لامتناهيان أو عدة لامتناهيات هذا الذي في الآخر وذاك الذي الآخر فيه. ولما لم يكن في مكان ما فهو لاشيء، على حسب أدلة زينون على حيز الموجودات. وبهذه الأدلة يستنتج غرغياس أن الموجود لامخلوق.
79
ولكن الموجود لا يمكن كذلك أن يكون قد خلق؛ فإنه لا يمكن في الواقع أن يكون قد خرج من الموجود ولا من المعدوم؛ لأنه إذا كان الموجود يسقط وهو مخلوق فلم يكن إذن الموجود، كما أن اللاموجود لا يكون بعد اللاموجود من وقت أن يصير شيئا ما. ومن جهة أخرى الموجود لا يمكن أيضا أن يأتي من اللاموجود؛ لأنه إذا كان اللاموجود لا يكون فممتنع من ثم أن أيا كان يتولد من لاشيء. وإذا كان بالمصادفة اللاموجود يوجد فإن الأسباب التي تجعل الموجود لا يأتي من الموجود هي عينها تجعله لا يأتي أيضا من اللاموجود الذي هو كائن.
80
فإذا كان حينئذ من الضروري - ما دام أن شيئا ما موجود - أن هذا الشيء يكون لامخلوقا أو مخلوقا، وأن كلا الأمرين ممتنع، فينتج منه أنه ممتنع أيضا أن يوجد أي شيء ما.
81
يقول غرغياس: زد على هذا أنه إذا شيء يوجد فيلزم أن يكون هذا الشيء واحدا أو كثرة. فإذا لم يكن لا واحدا ولا كثرة فينتج منه ألا يوجد شيء. ذلك الشيء لا يمكن أن يكون واحدا؛ لأن «الواحد» يجب أن يكون لاجسمانيا، واللاجسماني هو لا شيء، كما يقول غرغياس متبعا في ذلك رأيا يقرب كثيرا من رأي زينون. وبما أن الموجود لا واحدا؛ فإنه ليس أيضا كثرة من باب أولى. ولكن الموجود بما هو لا واحد ولا كثرة فهو غير موجود ألبتة. وبالنتيجة يقول غرغياس أيضا: إذا كان كذلك فما هو إلا لاشيء. وفي الواقع إذا لم يكن لا واحدا ولا كثرة فإنما هو ليس أيا كان.
82
صفحه نامشخص