الأول دون المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القوي الذي لا يقاومه من خلقه دني ولا شريف القادر الذي يرى البريات من غير نصب ولا تكليف مصرف تدبير أمور عباده بإتقان سبحانه الواحد المنان.
أحمده حمد من اعترف له بالعبودية وشهد بأنه لا إله إلا هو المنفرد بالألوهية والربوبية رافع السماء بلا عمد في الهوى وباسط الأرض على الماء الذي لا تدركه أبصار ذوي الأبصار ولا تحيط به أوهام ذوي الأوهام تعالى الله الواحد القهار.
وأشهد أن محمد المصطفى عبده الذي استخرجه من أشرف أب وأم وجعله سيد العرب والعجم وأكرمه بمنه وفضله كرامة لم يسبقه بمثلها ملك مقرب ولا نبي منتخب صلى الله عليه وعلى آله الأبرار الأخيار ما تاريخ
عرف يلتحج وفاقا ويسبح رعد بحمده المهيمن الرزاق.
وبعد فإني لما أجلت الفكر رأيت باب العلم وطلابه ربح وشملت عين
الشرع المحمدي وبه إلى بقية أحرفه زعج ورأيت أرباب زماني المغثوم الفاني المقلص المعكوس عدلوا عن طاعة الملك القدوس إلى التكالب إلى جمع المال ونسوا توعد ذي الجلال فلفحات النار أيسر عندهم وفوت ديناره وصرفوا
همهم والعياذ بالله إلى التكاثرة والمفاخرة يريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة قال تعالى : { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في
صفحه ۱
الأموال والأولاد } [الحديد : 20] إلا من رحم الراحم الجواد وهم الأقل من العباد ومعذرة لمن قرأ كتابي ووعي قلبه لذيذ خطابي فإني لأشر البرايا إن لم يقني الله من موبقات الخطايا صنف كتابا يقوي ذهن قاريه ويسفر عن خطاب كالدر لمستمعيه وسميته بالنهج عوضا عن الأبواب وأميت في رسمه بسبيل أولي النهى والألباب إذ أجريته على سؤال أرباب الفضل السالفين فجاء بآيات للمتوسمين وطرزته بغريب الألفاظ وذلك صعبة يسهل على الحفاظ واستعنت بالله بالكلية وأخلصت له النية والطوية فإنه من استعان به أعانه ومن زمرة أهل الخذلان أبانه وفرعن الإبانة أبا عثرته سابقة وكيا(1) وسميته بالكوكب الدري والجوهري البري رجاء لما عند الله تعالى من الثواب الجزيل وإحياء لدين الملك الجليل وذلك سنة سبع وسبعين سنة وماية وألف سنة.
وأنا الفقير لله عبد الله بن بشير الصحاري(2) اللهم فكما وفقته للبداية فأنت
القادرعلى التوفيق للنهاية وأنا أستغفر الله من جميع الخطا والجوا إليه من موبقات المحن والبلايا إنه ولي ذلك والمنجي من المهالك حسبي الله وهو الحسيب المجير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ونهجته ماية نهج مستبين في كل نهج ماية مسألة من غير مبين قصارى البري من حبط أولي الزيغ والاعوجاج عذب المنهل لمن رام أوامره غير أجاج. وصلى الله على محمد كلما اعتمر معتمر وحج حاج .
النهج الأول
في التوحيد
هو معرفة الله تعالى وأنه واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن
له كفوا أحد وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار
وهو اللطيف الخبير وقد افترض الله معرفته كافتراضه لساير العبادات العقلاء البالغين المتعبدين بدين رب العالمين لا عذر لهم من ذلك ولو انقطعوا في
جزاير البحار أو كانوا في المهامات المنقطعة والقفار بأدلة واضحة وبراهين بحمد الله لا يحد من طريق الشرع والعقل.
فأما طريق العقل فأصل التوحيد هو أن يصف المخلوق للخالق بما
وصف به نفسه من صفات الذات وصفات الفعل وهذا خضم لا يدركه
عومة عائم وفرض لا يسع ترك القاعد ولا القائم(3) ومن ظن إدراكه
__________
(1) 1- وكيا : والصحيح وكتابي.
(2) 2- عبد الله بن بشير الصحاري : سبق له ترجمة في المقدمة.
(3) 1- لا يعذر أحد بجهله .
صفحه ۲
ذلك فأحصاه قصر عند ذراعه وباعه ومان رجاءه ولو عاش العمر
الطويل وبذل من نشبه الكثير القليل لأن معرفة الله لا تدركه بالقياس
نبيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا يوصف بصفات المخلوقين من ملائكة أو
جمادات لا من الثقلين وإنما الأدلة عليه لمخلوقاته وبما صنع من مصنوعاته وانظروا بعيون العقول فيما أنزله ذو المن الطويل في القرآن العظيم مخبرا
عن نبيه إبراهيم الخليل عليه صلوات الملك الكريم: { ربي الذي يحيي
ويميت } (1) .
وقالت الرسل عليهم السلام : { أفي الله شك فاطر السموات
والأرض } (2) فلم يصفوه بطول ولا عرض وقال موسى عليه الصلاة
والسلام لفرعون لعنه الله ذو الجلال والإكرام: { قال فرعون وما رب
العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين } (3) ،
وكذلك قال أصحاب الكهف(4) : { فقالوا ربنا رب السموات
والأرض } (5) فوصفوه بما وصف به نفسه وصف مثل هذا كثير
في كلام رب العزة الكبير.
وقال العلي الكبير الخبير : { وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون
بصير } (6) حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم بعيد المسافة لا بمفارقة قريب لا
بمداناة يعلم خاينة الأعين وما تخفي الصدور سبحانه وتعالى الغفور الشكور
له المثل الأعلى والوصف الأسنى وله الحمد في الآخرة والأولى نحمده على سوابغ نعمائه ونشكره على تتابع آلائه ونستعينه ونتوكل عليه ونبري في الحول والقوة إليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مسألة
[ كيفية معرفة الله]
فإن قيل إن معرفة الله تعالى اكتسابية تكون أم اضطرارية فقال الشيخ
__________
(1) 1- سورة البقرة : آية 258 .
(2) 2- سورة إبراهيم آية 10 .
(3) 3- سورة الشعراء آية 23 .
(4) 4- ذكر في القرآن سورة كاملة تقص علينا قصة أهل الكهف وقصة موسى مع العبد
الصالح وفيها من العبر والدروس في العقيدة وغيرها ما نحن بأمس الحاجة إليه.
(5) 5- سورة الكهف آية 14 .
(6) 6- سورة الحديد آية 4 .
صفحه ۳
العالم أبو الحسن البسياني(1) أنها اكتسابية أن الله تعالى لما نصب عليها
الدلائل المنصوبة، وأعد الثواب لمن امتثل والعقاب على من فرط وغفل دل
على أنها اكتسابية لا الاضطراريات لا يعد ثوابها ولا تتوعد عليها عقابا كما
لا يعدنا على ما خلق فينا من الجوارح بالثواب ولا يتوعدنا عليها بالعقاب
وقال بعض العلماء إن معرفة الله تعالى اضطرارية جبلت في قلب الإنسان
معلقة بالعقل ويستحيل انفصالها عن العقل كاستحالة بعض أعضائه، وقال الشيخ بشير(2) أنها اضطرارية فهي خلق الله والثانية اكتساب.
مسألة
[ كيفية معرفة الله ]
عن الشيخ أبي الحسن البسياني فإن قيل أعرف الله برسله أم به عرفوا
فقال بعض المسلمين أنه بهم يعرف وبه عرفوا لأنهم دعوا إلى الله من عرفه
ومن لم يعرفه فعرفوا به ضد من عرفه بهم عند من لم يكن به عارف.
__________
(1) 1- أبو الحسن البسياني : هو العلامة الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن علي
محمد بن الحسن البسياني الأزدي اليحمدي، من شيوخه أبو محمد بن بركة
البهلوي، والعلامة محمد بن أبي الحسن النزوي، كان أبو الحسن أصم ثقيل
السمع. من مؤلفاته : الجامع المسمى جامع أبي الحسن، وكتاب المختصر
المعروف بمختصر البسياني وهو مطبوع انظر تحاف الأعيان في تاريخ بعض
علماء عمان ص229 .
(2) 1- بشير: هو العلامة أبو المنذر بشير بن المنذر النزوي العقري جد بني زياد، وهو من
بني نافع بني سامة بن لؤي بن غالب من تلامذة الربيع وأحد الأربعة الذي حملوا
العلم من البصرة إلى عمان عن الربيع -رحمه الله- والثاني : موسى بن أبي جابر،
والثالث محمد بن المعلا الفشحي وأما الرابع : المنير بن النير الجعلاني يعتبر الشيخ
بشير أحد كبار علماء عمان في زمانه وقد أدرك عصر الإمام الجلندي وكان له
دور بارز في إعادة الإمامة. وقد أطلق عليه اسم الشيخ أو الشيخ الكبير، توفي رحمه
الله سنة 178 أيام الإمام الوارث بن الكعب الخروصي - رحمه الله.
صفحه ۴
وقال بعض العلماء بل رسله عرفوا وأنه حكيم لا يبعث يكتب الحق
كاذبا تعالى الله وإنما دعت الرسل إلى الله من قد عرفه ثم جحد وقد عرفه البعض وينكره آخرون فبينت الرسل ذلك ودعت إلى الله بالدلائل المنصوبة
والعلامات الموضوعة التي نصبها الله تعالى في ملكوت السماوات
والأرض وما فيهن وفي خلق الإنسان كما قال الله تعالى { وفي أنفسكم
أفلا تبصرون } (1) .
وقد كانت العرب يعظمون البيت ويحجونه وإنما يعبدون الأصنام
لتقربهم إلى الله تعالى(2) وإنما دعاهم رسول الله عليه وسلام إلى رفض
الأوثان وأمرهم بعبادة الرحمن، فأبوا واستكبروا وقال الله تعالى { ولئن
سألتهم من خلقهم ليقولن الله } (3) .
مسألة
[ الدليل على وجود الباري ]
فإن قيل فما الدليل على وجود الباري تعالى. قيل له : إطباق عقلاء
الأمة بأسرها، من موحد وملحد لأن الأفعال لا يتقنها معدوم ولا تتأتى منه.
مسألة
[ دليل النصارى ]
فإن قيل فما الدليل على من قال من النصارى أن المسيح عيسى ابن مريم
هو ابن الله واحتجوا أن من لا ابن له ناقصا والذي له ابن أكمل فوجب أن يصفه بالصفة التي توجب الكمال والتفضيل يقال لهم فلم لا يقولون أن له عينين ويدين كمثل هذه العلة، وقالوا إن الابن نطق والزوج حياة وسوى الناطق أخرس ومن لا روح له ميت يقال لهم إن من ليس بفاعل فهو عاجز ومحال منه الفعل فقولوا إنه لم يزل فاعلا أو تاركا لتنفوا عنه العجز واستحالة وقوع الفعل .
مسألة
[ إبطال بنوة عيسى ]
فإن قيل أليس قد اتخذ الله خليلا يقال له: نعم فإن قيل لم لا يجوز
أن يتخذ عيسى ابنا يقال له إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا، فكان إبراهيم خليلا
- -(4) لا أن الله خليلا له. فلو كان قياس اتخاذ ابن على قياس اتخاذ خليلا
__________
(1) 1- سورة الذاريات آية 21 .
(2) 2- قال تعالى : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [الزمر آية 3].
(3) 3- سورة الزخرف آية 87 .
(4) 1- بياض في الأصل .
صفحه ۵
لكان النبيون أبناء الله إذا قلتم أن عيسى صلى الله عليه سلم ابنا له فلما
بطل هذا بطل ذلك.
مسألة
[ لماذا لا يشبه الله الأشياء ]
فإن قيل لم لم يجز أن الله تعالى لا يشبه الأشياء ولا تشبهه يقال لا يخلوا
أن يشبهها من كل الجهات ومن بعضها فإن أشبهها من كل الجهات كان حكمه حكمها وإن أشبهها من بعض الجهات كان مشبها لها من حيث
أشبهها تعالى الله عن شبه خلقه.
مسألة
[ إثبات أن العالم حادث ]
فإن قيل فإذا(1) العبد أن العالم محدث فكيف يعلم أنه لا يشبهه شيء
منها ولا تشبهه قيل له يعلم بما شاهد من المحدثات فيما بيننا إن كل صنعة لا تشبه صانعها كالكتاب لا تشبه الكاتب وغير ذلك من الصناعات فصح الاستدلال بالشاهد على الغائب وقوله تعالى { ليس كمثله شيء } (2) ليس
هو شيء كالأشياء.
مسألة
[ كيفية عبادة الله ]
من عبد الله بالرجى فهو مرجي(3) ومن عبده بالخوف فهو
حروري(4) ومن عبده بالحب فهو زنديق(5) ومن عبده بالأحوال الثلاثة
فهو مستقيم ولا ينوي في عبادته لله طمعا في الثواب ولا خوفا من
العقاب ، بل نيته أن الله مستحق للعبادة والخضوع والإنابة وأنه غني عن
عبادة الخلق أجمعين.
مسألة
[ أي العبادة أصح ]
وقيل من عبد الله بتوهم القلب فهو مشرك ومن عبد الاسم دون الصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب ومن عبد المعني بحقيقة المعرفة فقد أصاب.
مسألة
[ متى وجبت معرفة الله على المكلف ]
فإن قيل مم(6)
__________
(1) 1- الأصح والله أعلم: فإذا قال العبد .
(2) 2-سورة الشورى آية 11 .
(3) 3- مرجي : نسبة إلى المرجئة : وهم الذين يقولون : لا تضر مع الإيمان معصية».
(4) 4-حروري : نسبة إلى منطقة حروراء وهي قرية بجوار الكوفة.
(5) 5- الزنديق : هو من يظهر الإسلام و يسر الكفر ، الزنديق في لسان العرب : يطلق =
(6) = على من ينفي الباري ، وعلى من يثبت الشريك وعلى من ينكر حكمته. وقال:
الفرق بينه وبين المرتد العموم الوجهي .
وعرفه الحنفية: إبطان الكفر والاعتراف بنبوة نبينا - - صلى الله عليه وسلم - . وفرقت الأحناف
بين الزنديق والمنافق والدهري الملحد مع الاشتراك في إبطان الكفر. انظر رد
المحتار على الدر المختار 4/240 .
1-الصحيح : متى وجبت .
صفحه ۶
وجبت معرفة الله تعالى على العبد المكلف(1) يقال له أن
عليه معرفة من افترض عليه المفترضات حتى يؤديها لمفترضها لأنه لا يؤدي المفترضات حتى يعرف من افترضها عليه حق معرفته إذ لا يجوز أن يتقرب بفعل لمن جهله.
مسألة
[ عدم التكليف فوق الطاقة ]
فإن قيل فما الدليل على أن الله تعالى لم يكلف العباد فوق طاقتهم قيل له
قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } (2) وقوله { ما جعل عليكم في الدين
من حرج } (3) أي من ضيق.
مسألة
[ فناء السموات والأرض ]
فإن قيل ما الدليل على فناء السماوات والأرض قلنا له قوله تعالى
{ والأرض جميعا قبضته بوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } (4) وقال تعالى { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } (5) من غير طي بيد
وقال { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } (6).
مسألة
[ ذهاب كل ذي روح ]
فإن قيل ما الدليل على ذهاب كل ذي روح قلنا له قوله تعالى { كل
نفس ذائقة الموت } (7).
مسألة
[ ذهاب الجمادات ]
فإن قيل ما الدليل على ذهاب الجمادات قلنا له قوله تعالى { كل من
عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } (8).
مسألة
[ ذهاب كل المخلوقات ]
فإن قيل ما الدليل على ذهاب كل المخلوقات قلنا له قوله تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه } (9) أي إلا هو لأنه تعالى يفني سائره ويبقى وجهه تعالى الله.
مسألة
[ دخول الجنة بفضل الله تعالى ]
فإن قيل فيدخل أهل الجنة الجنة بفضله أم بأعمالهم قلنا فإن الله يدخلهم الجنة بفضله إذ قد خلقهم وهداهم للعمل الذي يرضاه ووفقهم لفعله
__________
(1) 2-العبد المكلف: هو المسلم البالغ العاقل ، لأن البلوغ أهلية الأداء والعقل مناط
التكليف .
(2) 1- سورة التغابن آية 16 .
(3) 2- سورة الحج آية 78 .
(4) 3- الزمر آية 67 .
(5) 4- سورة الأنبياء آية 104 .
(6) 5- سورة الحاقة آية 14 .
(7) 6- سورة آل عمران آية 185 .
(8) 1- سورة الرحمن آية 26 ، 27 .
(9) 2- سورة القصص آية 88 .
صفحه ۷
فأدخلهم جنته وهو مستغن عن أعمالهم وعنهم إذ خلقهم وعبادتهم لا تزيد
في ملكه شيئا.
مسألة
[ القضاء بين الدواب ]
فإن قيل هل يقضي الله بين الدواب يوم القيامة وتقتص الجماء من القرناء بما نطحتها وقلنا إن الدواب غير مكلفة ليحكم لهم وعليهم ولم يأمرهم
الله بالعبادات كما أ مر بني آدم وإنما قيل يحشرهم يوم القيامة فما استحسن منهم أهل الجنة تمتعوا به ثوابا لهم وبما بقي منهم فيكونوا عذابا لأهل النار والدواب لا عذاب لهم.
وقال الشيخ أبو محمد(1) إن البهائم يدخلون الجنة بلا عواض ، والمكلفين يدخلون الجنة بفضل الله وعملهم، والمجانين والأطفال يدخلون الجنة
بالتفضيل والبهائم يدخلون الجنة بلا عواض.
مسألة
[ كيفية الحساب ]
قال الله تعالى { وكفى بنا حاسبين } (2) وهو أسرع الحاسبين و أمثال
ذلك هل يحاسب الله الخلق يوم القيامة، وكيف تكون كيفية حسابه لهم
قلنا له نعم إن الله يحاسب الخلق المكلفين يوم الدين، وإنما حسابه
لهم حكم وعدل ومجازاة لأنه عالم بما عملوا ولا يخفى عليه شيء سبحانه وحاسبين منصوب على التمييز وقوله على الحال لأن حسابه للخلق
كحسابه لأحدهم لا يشغله شيء عن شيء وقال الله تعالى : { إن الله
سريع الحساب } (3).
مسألة
[ الحكمة من الإيلام ]
__________
(1) 1- أبو محمد : يظهر لي والله أعلم : أنه : أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة
السليمي البهلوي. مسكنة الضرح من قرية بهلا. وهو من علماء القرن الرابع ومن
أشياخه سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب - رحمه الله. والعلامة مالك
غسان ابن الخضر بن محمد الصلاني، وأبو مروان. كان معروفا بالغنى وكانت
له مدرسة ينفق عليها من ماله الخاص. ومن تلاميذه الشيخ أبو الحسن البسياني له
من الكتب الكثيرة أشهرها الجامع وشرح جامع ابن جعفر. أنظر إتحاف الأعيان
ص226 - 229 .
(2) 2- سورة الأنبياء آية 47 .
(3) 1- سورة آل عمران آية 199 .
صفحه ۸
فإن قيل فما الحكمة في إيلام غير المكلفين ، قلنا في ذلك قولان أن الله عوضهم حتى خرج من أن يكون ظالما لأن حقيقة الظلم هو التضرر الذي لا يستحقه المفعول به، ليخرج أن يكون عبثا وتصديق ذلك قوله
تعالى { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا
وكفرا } (1) ففي قتل الغلام حصل عوض يوم العرض وحصل للوالدين
ألطاف كثيرة. لأنهما كانا يحبانه محبة كثيرة وقوله الحكمة في إيلام
الأطفال ليعلموا فضل الآخرة أن ليس فيها ألم.
مسألة
[ الحجة في إيلام المكلفين ]
فإن قيل ما الحجة في إيلام المكلفين يقال في ذلك وجوه الأول أنه يؤلم الأنبياء ومن لا ذنب له لاستحقاق الثواب، كألم الأطفال الثاني يكون الألم كفارة ذنب فيكون الألم عوضا من عذاب النار، الثالث ألم الكفار
والمصرين من الموحدين على ما اكتسبت أيديهم إلا من تاب وإلى ربه أناب، والردع ليعتبر المكلف أن عذاب الألم في الدنيا دون عذاب(2) ليرغب في الأعمال التي يستحق فاعلها الجنة.
مسألة
[ النسيان من الشيطان ]
فإن قيل إن النسيان من الشيطان أم من الرحمن لقوله تعالى { وما أنسانيه إلا الشيطان } (3) قلنا إن الشيطان لعنه الله عاجز لا قدرة له على الخلق والإبداع كقدرة الله ولا نسيان ولا تذكير وإنما هو يشغل الإنسان عن
الطاعة فيكون سببا لكون المعصية من العبد وفسروا قوله تعالى { وما
أنسانيه إلا الشيطان } أي أشغلني أن أخبر بالحوت وقوله تعالى { وإما ينسينك الشيطان } (4) أي يشغلك.
وقال محمد بن محبوب(5)
__________
(1) 2- سورة الكهف آية 80 .
(2) 1- والله أعلم - دون عذاب الآخرة .
(3) 2- سورة الكهف آية 63 .
(4) 3- سورة الأنعام آية 68 .
(5) 1- محمد بن محبوب : هو شيخ المسلمين في زمانه محمد بن محبوب بن الرحيل
ابن سيف بن هبيرة القرشي المخزومي، من أشهر العلماء في زمانه كان مضرب
المثل في العلم والزهد والتقوى، نشأ أيام الإمام غسان بن عبد الله سنة 192ه
وعاصر الإمام المهنا بن جيفر، وتألق نجمه أيام الصلت بن مالك سنة 239 تقلد
القضاء له في صحار من أشياخه موسى بن علي الأزكوي توفي رحمه الله
بصحار يوم الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر محرم سنة 260ه وقبره
بصحار مشهور. عن إتحاف الأعيان ص192 - 194 .
صفحه ۹
النسيان من الشيطان ليس من الله. ومن قال ليس
في علم الله فقد كفر، ومن قال ليس من الله تعالى لم يحمل العبد على
المعصية ولم يأمره بها فقد صدق ولم يخرج ذلك من علم الله.
مسألة
[ ظهور قدرة الله في خلقه ]
قال الشيخ أبو الحسن البسياني رحمه الله تعالى إن الله تعالى شاء أن
يظهر قدرته ويري العباد حكمته وعزته فخلق الأشياء التي سبق في علمه أنه سيخلقها فخلقها لا من شي ثم خلق الشيء ولو شاء لخلق كل شيء من لا شيء لأنه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
مسألة
[ التسوية بينهم بالموت ]
إن الله تعالى خلق الخلق قسمين منتفع به ثم خلق المكلفات، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها فإن قيل بأي شيء أفنى الله الخلق من الآلاء حتى
يذكرهم بها. قيل له النعمة في ذلك: التسوية بينهم في الموت حتى لا يكون لأحدهم فضل في الحياة على أحد.
مسألة
[ لما خلق الله الخلق ]
فإن قيل لم خلق الله الخلق قلنا خلقهم ليريهم حكمته ورزقهم ليرهم
نعمته وأماتهم ليريهم قدرته وبعثهم ليريهم رأفته وحاسبهم ليريهم هيبته،
وغفر لهم ليريهم رحمته وعذبهم ليريهم عدله.
مسألة
[ الدليل على كمال قدرة الله ]
فإن قيل لم خلقهم طورا بعد طور، قيل ليكون ذلك دال على كمال قدرته، وهو قادر على خلق الخلق دفعة في أسرع من طرفة عين، فإن قيل لما لم
يخلقهم دفعة وهو قادر على ذلك يقال له إن أمور الدنيا بنيت على التأني والتراضي فلهذا قيل إن العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن.
مسألة
[ أهمية التأني ]
فجعل الله التأني رحمة للعباد للإجلال والمعاملات.
مسألة
[ لماذا خلق الله الخلق ]
فإن قيل إن الله خلق الخلق لينفعهم أو لينفعوه أو لا لهذا ولا لذا قلنا له إن الله خلق الخلق لينفعهم لأنه لو خلقهم لينتفع هو بهم لزمته الحاجة والعجز والعاجز ليس بإله غني وهو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وإن
كان خلقهم لا لهذا ولا لذا فقد خلقهم عبثا وتركهم سدى وفاعل ذلك ليس بحكيم والله حكيم عليم.
صفحه ۱۰
مسألة
[ كسب الرزق الحلال ]
فإن قيل فيرزق الله الحرام قيل إن الله تعالى أمر بكسب الرزق الحلال والابتغاء من فضله ونهى عن كسب الحرام فمن كسب الحلال، فقد كسب رزق الله الذي أمره به ومن كسب الحرام واتبع خطوات الشيطان فقد أكل
ما حرم الله عليه ونهى عنه ولا يحسن أن يقال أن الله يرزق الحرام وإن كان خلقه الله لأنه لا يوصف إلا بأحسن الصفات.
مسألة
[ ابتلاء وامتحان الخلق ]
فإن قيل كيف جعل الله أبدان المكلفين تتغذى الحلال والحرام كما جعل استطاعتهم تصلح للإيمان والكفر قيل له ابتلاء وامتحان ولو جعل الله أبدانهم
لا تتغذى إلا بالحلال لصاروا مضطرين إلى ذلك مجبولين ولم يستحقوا ثوابا
ولا عقابا.
مسألة
[ الحكمة من ذبح الحيوان ]
فإن قيل ما الحكمة في ذبح الحيوان يقال إن الله له أن يميت ما
خلق ويفنيهم فلما أمن الحيوان خلق من خلق الله جعل موتها على
أيدينا منفعة لنا لأن الله لا يفعل شيئا وقد أمر نبيه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بذبح(1)
ولده وأمر الخضر عليه السلام بقتل الغلام(2) وأمر بني إسرائيل بقتل
بعضهم(3) وليس ذلك بأكثر من أن يأمر ملك الموت بقتل جميع
المخلوقين وأيضا إن الحيوان لو لم يذبح لصار لكثرته إلى الضياع ولست
أبيح ذبح الحيوان عبثا ولعبا للطرب، بلا منفعة بل يحرم معنا قتل الذر(4)
فما فوق لغير معنى.
مسألة
[ خلق الجنة والنار ]
__________
(1) 1- قال تعالى : { فلما بلغ معه السعي قال يا بني أني أرى في المنام أني
أذبحك } [الصافات : 102].
(2) 2- قال تعالى : { فانطلقا حتى إذا رأيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير
نفس لقد جئت شيئا نكرا } . [الكهف :74].
(3) 3- قال تعالى : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم
العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } [سورة البقرة:54].
(4) 4- الذر : صغار النمل.
صفحه ۱۱
فإن قيل إن الجنة والنار خلقتا أم سيخلقا ؟ فقد اختلف المسلمون في ذلك على قولين، وحجة من قال أنهما خلقتا قول الله تعالى { قلنا اهبطوا منها
جميعا } (1) والهبوط لا يكون إلا من شيء قد خلق وحل فيه، وقال في
الجنة والنار { أعدت للمتقين } (2) و { أعدت للكافرين } (3) والمعد المهيأ،
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «اطلعت على الجنة فرأيت أقل أهلها الأغنياء والنساء
واطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء»(4).
مسألة
[ بقاء أهل الجنة ]
فإن قيل فما الفرق بين بقاء أهل الجنة وبقاء الباري تعالى قلنا إن الله باقي بنفسه لا ببقاء أبقاه وأهل الجنة والنار إنما بقوا ببقاء مبق أبقاهم وهو الله تعالى.
مسألة
[ علم الله ]
فإن قيل هل يعلم الله تعالى ثواب أهل الجنة ونعيمهم وعذاب أهل النار ، قلنا نعم إن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون كيف يكون والله تعالى عالم وأنه
لا نهاية لذلك.
مسألة
[ الدليل على إعادة الخلق ]
فإن قيل ما الدليل على إعادة الخلق ؟ قال الشيخ أبو الحسن إن الله
تعالى خلق الخلق على غير مثال يسبق فلم يعي أن يعيده خلقا آخر وقد قال
الله تعالى { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم
قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم } (5)، وغير ذلك
كثير من القرآن.
مسألة
[ بعث الخلق ]
__________
(1) 1- سورة البقرة آية 38 .
(2) 2- سورة آل عمران آية 133 .
(3) 3- سورة آل عمران آية 131 .
(4) 4- الحديث عن ابن عباس، وعمران بن الحصين - رضي الله عنهما - عن النبي
- صلى الله عليه وسلم - - قال : اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت النار، فرأيت
أكثر أهلها من النساء) متفق عليه. رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما
جاء في صفة الجنة. ومسلم - الذكر حديث 94، وأحمد 1/234 .
(5) 1- سورة يس آيات: 78 ، 79 .
صفحه ۱۲
فإن قيل هل يبعث الله كلما(1) خلق أم ذوات الأرواح فقط يقال إن المسلمين اختلفوا في بعث كل الخلق فأثبت ذلك بعض ونفاه آخرون وحجة من أثبته قول الله تعالى { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } (2) وحجة من
نفاه قول الله تعالى { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا
أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } (3).
مسألة
[ فائدة بعث الرسل للعباد ]
فإن قال قائل فما الفائدة في بعث الله الرسل للعباد واستحسان بعثهم
من الله قلنا إن الله تعالى لما خلق خلقه المكلفين إحياء عقلاء قادرين لا
لحاجة منه لهم ولا استحقاق منهم عليه وفضلهم على كثير ممن خلق
تفضيلا، وجب عليهم بذلك لله التفكر، على من أولاهم به ويبينون لهم
ما يأتون وما يتقون.
مسألة
[ الدليل على صدق رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ]
فإن قال قائل فما الدليل على أن محمدا رسول الله وأنه صادق فيما جاء به قلنا إن الدليل على ذلك القرآن والمعجزات التي لا قدر على الإتيان بمثلها
إلا الله لقوله تعالى { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا
القرآن لا يأتون بمثله } (4) الآية ومعجزاته مشهورة.
مسألة
[ احتمال الأذى ]
فإن قيل هل يجوز أن يقال لله جنب معقول لقوله تعالى { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } (5) يقال له ذلك منفي عن الله تعالى وإنما
معناه في أمر الله وطاعته كما يقول الأعرابي احتملت الأذى في جنب فلان
أي في رضاه.
مسألة
[ امتلاء الجنة ]
زعم أهل الجهل أن الله قد كان وأن الجنة لا تمتلئ حتى يضع فيها قدمه فيقول قط قط فتملى حينئذ وتنزوي هذا الكلام مستحيل لا يفوه به ذوا حجي وهذا يقتضي التحديد والثناء وهذا والله يجل عن ذلك.
مسألة
[ استدلال الشاهد على الغائب ]
__________
(1) 2- كلما : كل ما خلق .
(2) 3- سورة الروم آية 27 .
(3) 4- سورة الأنعام آية 38 .
(4) 1- سورة الإسراء آية 88 .
(5) 2- سورة الزمر آية 56 .
صفحه ۱۳
فإن قيل كيف يجوز أن يستدل بالشاهد على الغائب قلنا من جهته إن العاقل إذا رأى نارا علم أن كل نار كذلك حكمها، وكذلك كلما شاء كل ذلك.
مسألة
[ لزوم النظر عن طريقين ]
اعلموا أن لزوم النظر فيه والاستدلال على الله تعالى باري الصور من طريقتين من كتاب الله عز وجل ومن حجة العقل أما من كتاب الله تعالى فكقوله { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض } (1) فلم يأمرهم الله
تعالى بنظر العين دون التفكر والاعتبار في المنظور إليه أن له خالقا خلقه وبارئا
أخرجه من العدم وأوجده فإذا علم ذلك علم أن ما سوى الله محدث أحدثه.
وهو الله الذي ليس كمثله شيء وقال تعالى { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق من ربهم } (2) فلم يرد بذلك نظر
العين خاصة فإن قيل فما الدليل على أن الله تعالى شيء قلنا قد دلت الأدلة على أنه موجود ويوحد كل شيء سبحانه وتعالى علوا كبيرا.
مسألة
[ الدليل على أنه شيء لا كالأشياء ]
فإن قيل فما الدليل على أنه شيء لا كالأشياء قيل له إن الأشياء لا يخلو أن يكون يرى بعين أو يحس كالريح وما كان يرى أو يحس فمفتقر للمكان والله تعالى لا يرى ولا يحس ومن لا يتقن الأشياء معدوم.
مسألة
[ لماذا لا يقال بأنه جسم ]
فإن قيل إذا قلتم إنه شيء لم لا تقولون أنه جسم لا كالأجسام ، قلنا لأنه قد يقال جسم أجسم من جسم ولا يقال شيء أشياء من شيء ولأن الجسم يكون طويلا عريضا عميقا. قال تعالى { قل أي شيء أكبر شهادة قل
الله } (3).
مسألة
[ ما قالت الديصانية ]
فقالت الديصانية(4)
__________
(1) 1- سورة يونس آية 101 .
(2) 1- سورة فصلت آية 53 .
(3) 2- سورة النعام آية 19 .
(4) 1- الديصانية : أصحاب ديصان أثبتوا أصلين نورا وظلاما فالنور يفعل الخير قصدا
واختيارا، والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا، فما كان من خير ونفع وطيب
وحسن فمن النور، وما كان من شر وضر ونتن وقبح فمن الظلام، وزعموا أن
النور حي عالم قادر حساس دراك ومنه يكون الحركة والحياة، والظلام ميت
جاهل عاجز جماد جواد لا فعل ولا تمييز... أنظر الملل والنحل للشهرستاني
هامش الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/88.
صفحه ۱۴
إن لا إله إلا الله هو الواحد الأزلي يكن معه موات
قديم فمن ذلك الموات أبدأ الأشياء على ما هي عليه وأوجدها بعد العدم، قلنا هذا باطل من جهة أن لا إله إنما واجب أن يكون مما في الأزلية والقدم فلو
كان معه غيره في الأزلية والقدم لوجب أن يماثله في أخص أوصاف
الأولوهية ومن له شريك فليس بإله القديم.
مسألة
[ إحداث الأجسام ]
فإن قيل هل يجوز أن تكون الأجسام يحدثها محدث أحدثه الله تعالى
وذلك المحدث جسم قلنا له لا والدليل على إبطال ذلك أن الجسم لا يكون قادرا إلا بقدرة هي غيره فلو جاز ذلك لجاز لنا أن نفعل بقدرتنا بعض ذلك.
مسألة
[قدرة الأجسام]
فإن قيل لم قلتم أن الجسم لا يكون قادرا إلا بقدرة هي غيره قلنا له ليس فيما بيننا جسم قادر إلا بقدرة هي غيره، ولو كان الجسم قادرا بنفسه
لكانت الجمادات كذلك وذلك مستحيل.
مسألة
[ الحجة على من أنكر حدث العالم ]
فإن قيل فما الحجة على من أنكر حدث العالم من الملحدة وعبدة الأصنام وقالوا بقدمه فقالت الدهرية إن الدنيا لم تزل كما توافر مرور الليالي والأيام وتموت وتحيى وما يهلكنا إلا الدهر قلنا يبطل قولهم هذا قول الله تعالى
{ وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } (1).
مسألة
[ غنى الله سبحانه وتعالى ]
فإن قيل إذا قلتم أن الله تعالى غني لا مغن له وكذلك جميع صفاته فلم
لا أثبتم مفعولا لا فاعل له قلنا لا يجب ما قلتم وذلك أن الغنى الذي قلنا لا مغن له والعزيز الذي لا معز له ليس بمعزوز فيقتضي ذلك معزا وكذا جميع الصفات وعزيز على وزن فعيل لا يقتضي ومفعول يقتضي فاعلا فالعالم
العزيز الذي بيناه لا معلم له ولا مقدر له لم يزل قديما.
مسألة
[ الأجسام لا تحدث بعضها بعضا ]
فإن قيل ما تنكروا أن تكون الأجسام للتي دللتم أنها محدثة أحدث
بعضها بعضا قلنا هذا فاسد من قبل أن كل متماثلين لا يكون أحدهما
__________
(1) 1- سورة الجاثية 24 .
صفحه ۱۵
موصوفا بالقدرة على صاحبه أولى من أن يكون الآخر موصوفا بالقدرة عليه
إذ المثلة بينهما حاصلة والمكافأة واقعة ولو جاز أن يحدث بعضهما بعضا
لقلتم مراد أحد المحدثين في الآخر وقد جاء عن ربنا أنه هو الخالق تعالى.
مسألة
[ مازعمت المانوية ]
زعمت المانوية لعله المانوية(1) أن الأشياء من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة والنور خير يفعله الخير والظلمة شر تفعل الشر، وإنما لم يزالا حيين حاسبين داركين سميعين بصيرين وهما مع ذلك مختلفان في النفس
والصور متضادين في الفعل والتدبير ثم امتزجا فقال أبو الهذيل(2) لبعضهم
أخبرنا عن النور أليس قد كان مباينا للظلمة قال نعم قال فما مجيه إليها بعد المباينة إحياء إلى أنس ومستراحة أم إلى ضده فإن قال جاء إلى ضده طوعا
فهو شرير أحمق وإن قال جاء قسرا فهو ضعيف عاجز فرجع المانوني خائبا فهداه الله وأسلم.
مسألة
[ ماحق الله على عباده ]
فما حق الله على عبادة قلنا حقه أن يوفوه ويوحدوه ويعبدوه ولا
يشركوا به شيئا فإن قيل أراد الله هذا الحق منهم طوعا قلنا نعم أراده ممن
__________
(1) 1- المانوية: أصحاب ماني بن فانك الحكيم الذي ظهر في زمان شابور بن ازدشير
وقتله بهرام بن هرمز بن شابور وذلك بعد عيسى عليه السلام أخذ دينا
بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام ولا يقول بنبوة عليه
السلام مذهب الحكيم ماني : زعم أن العالم مصنوع من مركب من أصلين
قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وإنهما أزليان لا يزالا ولن يزالا، وأنكروا
وجود شيء لا من أصل قديم وزعم أنهما لم يزالا قوتين حساسين سمعين
بصيرين وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير ومتضادان وفي
الخير متحاذيان تحاذي الشخص والظل. لهم معتقدات معينة في النور والفعل
والخير والصفات... أنظر الملل والنحل للشهرستاني على هامش الفصل في الملل
والأهواء والنحل لابن حزم 2/ 81 - 86 .
(2) 1- أبو الهذيل: لم أعثر له على ترجمة .
صفحه ۱۶
يأتي به مطيعا ولم يرده ممن لم يأتي به مطيعا.
مسألة
[ لزوم حجة القرآن العجم ]
فإن قيل كيف لزمت حجة القرآن الهند والترك والعجم وهم ما يعرفون
أذ ما أتي به معجزا قلنا من حيث إذا فتشوا علموا أن العرب الذين بعث
إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا فصح الكلام العربي وأنهم النهاية في هذا الباب وإنه
نشأ عندهم وإنه ما كان يتلوا من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه وإنه
تحداهم أن يأتوا بمثله مجتمعين ومتفرقين فعجزوا عن ذلك.
كما أن حجة موسى وعيسى قائمة على من ليس بساحر ولا طبيب
لعلمنا أنهما قد اتحدا بأطب الناس وأعلمهم سحرا بمثل ما أتيا به فعجزوا عن ذلك مع الحرص عليه والإيثار له.
مسألة
[ ادعاء اليهود عدم بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ]
قالت اليهود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث بعد فمن الرد عليهم إنه كيف لم يبعث وأنتم تعلمون أيان بعثته وأيان موته وذلك في
كتابكم قد انقضى وقتئذ في مولده ومبعثه وموته وشاهد ذلك كله عندكم
لا ينكروه إلا مكابر ممن يشتري بآيات الله وإيمانه ثمنا قليلا.
مسألة
[ دعوة الأنبياء والرسل واحدة ]
عن الشيخ أبي سعيد محمد بن سعيد(1) رحمه الله كل دين الأنبياء
والمرسلين واحد ودعوتهم واحدة وحجتهم واحدة لا يختلف الدين الذي
جاءوا به عن رب العالمين وكانت الدعوة كلها شهادة إن لا إله إلا الله وحده
__________
(1) 1- الشيخ أبو سعيد محمد بن سعيد - رحمه الله - : بن محمد بن سعيد الناعبي
الكدمي وكدم من أعمال ولاية الحمراء، يعتبر من كبار علماء عمان ومن أئمة
المذهب المقتدى بهم يقال أن مولده سنة 305ه وقد عمل أمينا على المحبوسين ،
عصر إمامي هما : الشهيد سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب، والثاني :
راشد بن الوليد رحمهما الله. له مؤلفات كثيرة منها : الجامع المفيد، وكتاب
المعتبر والاستقامة. توفي رحمه الله قبل وفاة ابن بركة وكان بينهما خلاف
فقهي. ارجع إلى إتحاف الأعيان 1/216 - 225 .
صفحه ۱۷
لا شريك له وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين ، قال الله { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } (1) الآية وقال تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } (2) فإن قيل فما الحجة في لزوم التكليف قلنا قوله تعالى
{ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم } (3) .
ووجوب التكليف على قسمين من يقين طريق عقل و طريق نقل فطريق العقل ينقسم على قسمين أحدهما معرفة الله أنه واحد وعالم وقادر ونحو
ذلك فعلى المكلف عند ذكر ذلك وسمعه واعتقاده وعلمه غير معذور
بجهله ولا الشك فيه ولا القسم الثاني فيه الاختلاف بين الناس مثل عالم
يعلم وقادر يقدر وعالم بنفسه وقادر بنفسه فحجة هذا تلزم بالسؤال وبعد الاستدلال وعلى الشاك فيه لا يعتقد تحولا من قول المختلفين بغير دليل فإن يكون متمسكا بجملة وهي أن الله تعالى واحد ليس كمثله شيء وأما ما
كان طريقه طريق النقل وهو السمعي فغير لازم فرض ولا هالك من جهله
إلا بعد قيام الحجة عليه بالخبر المنقول فأما ما سمعه ما طرق سمعه من ذلك
لزمه فرضه إن كان في اللفظ في نفس المنقول وإن كان مجملا فإلي أن
يسأل العلماء عن تفسيره بأخطائه وما لم تقم على المكلف حجته ولم
تبلغه دعوته فهو سالم بجمله فما كان طريقه طريق السمع من رسالة الرسول وعلم الفرائض ومشاهدة الرسول ليس بحجة حتى يظهر له معجزة على
دعوى النبوة ويدعوه إليه من الإيمان.
مسألة
[ أصناف التكليف ]
التكليف ثلاثة أصناف لعدة أقسام فقسم أمر المكلفون باعتقاده وقسم أمروا بفعله وقسم أمروا بالكف عنه وأما ما أمروا باعتقاده فقسمان قسم
إثبات وقسم نفي فأما الإثبات فإثبات توحيد الله وصفاته وتصديق رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به وأما النفي فنفي لصاحبته والولد والأشياء والحاجة
__________
(1) 1- سورة الشورى آية 13 .
(2) 2- سورة آل عمران آية 85 .
(3) 3- سورة النساء آية 1 .
صفحه ۱۸
والقبايح أجمع عن الله تعالى وهاذان القسمان أولهما ما كفله العاقل.
وأما أمرهم الله بفعله فثلاثة أقسام قسم على أبدانهم كالصلاة والصوم،وقسم في أموالهم كالزكاة والكفارات وقسم على أموالهم وأبدانهم معا
كالحج والجهاد.
وأما ما أمرهم بالكف عنه فثلاثة أقسام فقسم لإحياء أنفسهم كنهيه عن
القتل وأكل الخبائث والسموم وما يؤدي إلى إفساد أبدانهم وأديانهم وقسم
لأفعالهم وصلاح ذات بينهم كنهيه الله تعالى عن الغضب والظلم والبغض
وما أشبه ذلك وقسم لحفظ أنسابهم وتعظيم محارمهم كنهيه الله تعالى عن
الزنا وتحريم ذوات المحارم.
مسألة
[ كيفية أخذ المتعبد به ]
والتعبد مأخوذ من عقل متبوع وشرع مسموع فالعقل متبوع فيما لا
ينفع منه الشرع والشرع مسموع ما لم يمنع من العقل لأن الشرع لا يرد بما
يمنع منه العقل والعقل يتبع فيما لا يمنع منه الشرع، وكذلك توجه التكليف
إلى كل من كمل عقله والأحكام العقلية لا تكون أصولا للأحكام الشرعية
ولا تشبه الأحكام الشرعية الأحكام العقلية.
مسألة
[ هل الكفار مخاطبون بالعبادات ]
اختلف المسلمون في الكفار هل خوطبوا بالعبادات والأحكام كأهل الإسلام أم مخاطبون أولا بأصل الإيمان فقط على وجهين أحدهما لم
يخاطبوا سوى بأصل الإيمان فإذا دخلوا في ذلك خوطبوا حينئذ بسائر
العبادات وقال آخرون بل خوطبوا بجميع ذلك من صلاة وصوم وما
أشبههما ومعاقبون على تركه ولكن يكون فعلهم على ترتيب أنظر إلى قوله
تعالى : { فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } (1).
وأما المرتد(2)
__________
(1) 1- سورة فصلت آية 7 .
(2) 2- المرتد : من الارتداد - الرجوع. وعند الفقهاء : إجراء كلمة الكفر على اللسان
بعد وجود الإيمان. بدائع الصنائع للكاشافي 7 / 134 .
وفي شرح النيل : هو المكلف الذي يرجع عن الإسلام طوعا، أما طوعا بالتصريح
بالكفر وأما بلفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه - شرح النيل وشفاء العليل 17/597 .
صفحه ۱۹
لم أعلم اختلافا بين قومنا أن في حكم الخطاب يجوز من
فعل الحكم تعالى كيف يعلم أنه من يعصيه من خلقه فيصيرون إلى النار فلو
لم يخلقهم ما كفروا ولا استحقوا ذلك أن وجب أن يكون الخلق والتبليغ بالتكليف قبيحا ولا يكون حكمة لكان لا شيئا أوضع ولا أقبح من العقل
ولا أضر منه لأن الإنسان متى لم يكن عاقلا لم يلم في صنع ولم يلزمه
عقاب ومتى كان عاقلا لحقه ذلك والأمة الملحدة والموحدة مجموعون على
شرف العقل وفضله وإنما كفر من كفر بسوء اختياره.
مسألة
[ صفة أهل الجنة ]
فإن قيل هل يجوز إن يكلف الله أهل الجنة في الجنة كما كلفهم في
الدنيا لكان الأمر من الوعد والوعيد كما كان في الدنيا.
مسألة
[ كيفية أهل الجنة ]
فإن قيل لابد لأهل الجنة من فروض معرفة الله تعالى والشكر له قلنا إن أهل الجنة إلا وهم عارفون جميع ذلك فبعد استقراره في قلوبهم لم ينسونه
ليعاد عليهم التكليف مرة أخرى، فإن قيل: أن يكون حكيما من ترك عبده يعصيه ويعمل عملا يستحق به الخلود في النار ولا يمنعه وهو قادر على ذلك قلنا قد منع الله العباد من أن يعصوه أشد المنع وخلصهم منه بأفضل الخلاص بأن زجرهم ونهاهم وتوعدهم بالنار وأراهم العبر والآيات والمثلات
وأقدرهم على ترك المعاصي وجعل لهم السبيل إلى الطاعة وأعطاهم كلما ينجون به من المعصية وحذرهم وتوعدهم ووعدهم.
مسألة
[ استحقاق الثواب والعقاب ]
فإن قيل فهل لا خيرهم وقهرهم عن المعاصي قلنا لو فعل ذلك بهم لم
يستحق محسنين ثوابا ولا مسيء عقابا وكان لا معنى فخلقهم إذ لم يخلقهم لينفعهم وكان خلقه لهم عبثا وسدى تعالى الله .
مسألة
[ الانتقال في العبادات «نسخ تخفيف» ]
صفحه ۲۰