السلطان الابن - لم يحج كما انتوى حين هاجر من الأندلس، ولم يعتزل الدنيا والحياة السياسية، بل انه حين أقام بفاس استكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن واغتراس الجنات (١) واخذ يستغل الحال التي تمخضت عنها الأزمة النفسية والهجرة استغلال المؤلف الذي لا يزال مورط الخواطر في العداوة الفردية وفي التقلبات السياسية.
ففي حياة السلطان عبد العزيز آلف له كتابه " المباخر الطيبة في المفاخر الخطيبية " يذكر فيه نباهة سلفه وما لهم من المجد، وقصده الرد على أهل الأندلس المجاهرين له بالعداوة القادحين في فخر سلفه (٢) ألف للسلطان المذكور كتابا آخر اسماه: " خلع الرسن في التعريف بأحوال ابن الحسن " جمع فيه نوادر وحكايات عن النباهي، وقال في وصف الكتاب " انه لاشيء فوقه في الظرف والاستطراف يسلي الثكالي، ونستغفر الله تعالى " (٣) .
وفي جمادى الآخر من سنة ٧٧٤ كان يكتب كتابه هذا الذي سماه: " الدرر الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة "، أي كان تأليفه له بعد نحو ثلاثة اشهر من وفاة السلطان عبد العزيز (٤) وسأتحدث
_________
(١) تاريخ ابن خلدون ٧: ١٠٨.
(٢) النفح ٧: ١٠٨.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) اخطأ الأستاذ محمد عبد الله عنان حين ظن أن هذا الكتاب من أوائل مؤلفات ابن الخطيب وانه وضعه في شبابه ولما يتجاوز الخامسة والعشرين (انظر مقدمة الإحاطة ١: ٦٩) وإنما الذي أوقعه في الخطأ أن النسخة الخطية بالجزائر تحمل فيما يقوله كوديرا تاريخ سنة ٧٣٨، هذا مع أن لسان الدين ذكر في درج كتابه، تاريخ العمل في ذلك الكتاب، وعلى هذا فهناك وهم لا ادري من أين جاء اهو من ناسخ نسخة الجزائر أو من الأستاذ كوديرا أو من الأستاذ عنان، ومن المعقول أن تكون نسخة الجزائر قد كتبت عام ٧٨٣ أي بعد سنوات قليلة من وفاة المؤلف (أو٨٣٧) ولا يمكن مجال أن يكون التاريخ ٧٣٨ صحيحا.
1 / 9