هناك أجلسوه على الأرض مفتوح الساقين مستندا إلى وتد من الخشب، تماما كما كانت العادة في الزمن القديم، حينما يقرر الرجال محو العار رجما بالحجارة.
قيدت النساء الرجل العجوز بحبل سميك طويل يكفي لوصوله إلى زير الماء وصحن الطعام، الذي يقدم له كل يوم، وقد جلست النساء (وبعض الشباب) على مسافة غير بعيدة منه، بحيث يمكن لهن سماع صوته إن تكلم أو تألم.
بنت النساء حوله أربعة حواجز من المرايا بحيث يستطيع أن يرى نفسه، وأمامه رسمن صورة لحميدة، بحجمها الطبيعي، كما تركها بجراحها الدامية بين الساقين والظلال السوداء حول عيونها الطفولية، عيون في الفراغ دون حياة أو ضوء.
بعد إنهاء العمل قالت النساء له : انظر إليها، لقد تركتها هكذا، وعندما تراها وترى العار الذي فكرت أن تغسله بسفك دمك، فانظر الآن إلى نفسك، وقلب عينيك مرارا وتكرارا بين صورتك وصورتها، وسوف نأتي كل يوم لنسمع ماذا تقول.
في صباح اليوم التالي شكا الرجل من برودة الليل، فأجابت النساء: هو هو الصقيع الذي يحتل قلب حميدة.
وفي اليوم الثاني شكا لهيب الشمس على جسده، خاصة المنطقة الحساسة بين ساقيه، أجابته النساء: هذه الآلام الملتهبة في جسد الطفلة الجريح، والتي كانت تحلم بفطور الأم وكعكة العيد.
كان الرجل يشكو الخوف الذي يجثم على صدره في ظلمة الليل حين يفكر، قالت له النساء: هذا هو ثقل جسدك الذي كتمت به أنفاس الطفلة.
وكان يشكو عفونة الرائحة تنبعث من تحته وهو يبول على نفسه، وكان جواب النساء: هذه رائحة العار التي أردت أن تدفن فيها جسدها البريء.
كان الرجل يشكو كل يوم من الأرواح الشريرة والأشباح السوداء التي تزوره في الليل، وترد عليه النساء: إن هذه الأرواح الشريرة ذاتها التي امتلأت بها أحلام حميدة منذ ليلة الجريمة.
في المرايا من حوله رأى الرجل نفسه عاريا، ورأى العار، ورأى الطفلة الفتاة وجرحها الدامي، أراد أن يحطم المرايا دون جدوى فهي بعيدة عن متناول يديه، أراد أن يرجم المرايا بحجر لكن الأحجار كلها أصبحت تحت حراسة النساء وشباب القرية، ومنهم شقيق حميدة التوأم، الذي رفض إدانة أخته وطعنها من الخلف.
صفحه نامشخص