وعند التيارات المسيحية الأصولية؛ فإن العودة إلى القديم تعني احتقار الأديان الأخرى وتقتل الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض التي تحتاجها النساء، وتحريم تدريس نظرية داروين وغيرها من النظريات العلمية المناقضة لنظرية خلق الكون في الكتاب المقدس و...
أما الإيجابيات المقدسة وتاريخ الثورات الشعبية والنسائية والشبابية في مراحل التاريخ المختلفة فقد تم حذفها، بل إن الإيجابيات في الحضارة المصرية القديمة قبل الغزو الروماني المسيحي فقد تم حذفها واعتبارها حضارة وثنية متخلفة، في حين أنها كانت أكثر عدالة وإنسانية من القيم الجديدة التي فرضها الغزاة.
لا شك أننا في حاجة إلى نقد الفكر الذي نقرؤه للمفكرين في الغرب أو الشرق، وإن كانوا متقدمين أو ماركسيين ينقدون الرأسمالية أو غيرهم، لأننا أدرى بمشاكلنا منهم، ولأنهم لا يعرفون الإيجابيات أو السلبيات في تراثنا، ولأنهم يتأثرون أيضا بالفكر الإسرائيلي الذي يؤثر بشكل مباشر على المثقفين الأمريكيين وعلى الساسة الأمريكيين.
خلال السنوات التي عشتها في أمريكا أدركت مدى تغلغل الفكر الإسرائيلي في الفكر الأمريكي، وحين عدت إلى مصر لاحظت أن المثقفين المصريين ينقلون عن المفكرين الأمريكيين، وبالتالي يزحف الفكر الإسرائيلي إلى المفكرين في مصر والبلاد العربية، لا شك أن معاهدة الصلح المنفردة - كامب ديفيد الأولى - لعبت دورا في زحف الفكر الإسرائيلي إلى المثقفين في بلادنا، مع السلع والبضائع الإسرائيلية الأخرى.
إن اختلاط الثقافات هام وضروري، لكن القدرة على النقد وفرز الأفكار الصالحة لها أيضا ضروري وهام.
من الأفكار التي أصبحت شائعة في بلادنا فكرة الهوية المصرية، من نحن؟ هل نحن عرب أم مصريون؟ هل نحن أفارقة أم مصريون؟ هل ننتمي إلى أرض أفريقيا وشعوبها الهمجية البربرية (في نظر المستعمرين) أم ننتمي إلى حوض البحر المتوسط أو الشرق الأوسط؟ لا شك أن سياسة إسرائيل وأمريكا هي عزل مصر عن قوتها العربية والأفريقية، وبترها عن تاريخها العربي والأفريقي، من أجل المشروع الشرق أوسطي، والذي يقضي تماما على فكرة الوحدة العربية، ألهذا شاعت النغمة التي تتغنى بمصر الفرعونية المصرية الأصلية النقية من الدماء العربية المتخلفة التي وردت إلينا من بدو الصحراء مع الغزو العربي لمصر؟
منذ أيام قليلة قرأت كتابا صادرا عن: معهد شيلواح بقلم الإسرائيليين جانوكوفسكي وجرشوني (والمنشور بالعربية في القاهرة عن دار شرقيات 1999)، يؤكد الكتاب على هوية مصر المصرية الخالصة لا تشوبها عناصر أخرى عربية، ويستشهد على ذلك بأقوال مثقفين مصريين منهم العقاد وأحمد أمين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم، يصور لنا الكتاب كأنما هؤلاء كلهم ضد عروبة مصر، فهل هذا صحيح؟ أم أنها الرؤية الإسرائيلية لتاريخ مصر وهويتها مما يتفق مع مصالحها الاقتصادية والعسكرية، ورغبتها في عزل مصر، وبالتالي إضعافها وسلب وسائل المقاومة منها؟ ثم يبث فريد جيمسون وغيره من الفلاسفة الأمريكيين اليأس في نفوسنا؛ لأننا عاجزون عن مقاومة الإخطبوط الاقتصادي والعسكري والنووي والعولمة. (4) الصراع الديني المطلوب اليوم
أليست قوة المقاومة نابعة من الوحدة العربية والوحدة الأفريقية في مواجهة قوة إسرائيل؟
أليس هذا هو مأزق ياسر عرفات اليوم بعد أن عاد من كامب ديفيد الثانية خاوي اليدين، وأصبح كالفرخ المذبوح يطير هنا وهناك من أجل المساندة والتأييد له، والجميع يأخذونه بالأحضان دون وعود بشيء، مجرد النصيحة النصيحة بألا يعلن عن قيام الدولة الفلسطينية في 13 سبتمبر إلا بموافقة إسرائيل.
أصبحت البلاد العربية ممزقة منذ كامب ديفيد الأولى، وأصبح الاقتصاد المصري يعاني من الأزمات منذ الانفتاح الساداتي، ومنذ حرب الخليج الأولى ثم الثانية انهارت القوى العربية الاقتصادية والعسكرية، وسادت الفتن الطائفية تحت اسم العودة للتراث والهوية، وارتفعت الأصوات المنادية بعودة النساء إلى البيوت ودور الأمومة، وانتشرت كل الأفكار الرجعية تحت اسم مقاومة الغزو الثقافي، على حين كان الغزو الفكري الإسرائيلي والأمريكي يغزونا في الواقع والحقيقة.
صفحه نامشخص