188

لكن بتر الخيال أخطر؛ لأن الناس ترى الجسد وتتألم لألمه، لكن الخيال لا يراه أحد، الخيال لا ينزف الدم بعد البتر، ولا يتحدث عنه أحد، رغم أن الجسد بدون خيال جسد ميت أو شبه ميت، والمجتمع بدون خيال جسد مجتمع عاجز عقيم، فالخيال هو القوة الدافعة وراء الإبداع في الحب والعلم والطب والأدب والسياسة والاقتصاد والجنس والفلسفة، الخيال هو قوة اكتشاف المستقبل والتنبؤ به.

حرية الخيال وسلامته واكتماله هي الوقاية الحقيقية للمجتمع من قوى العنف والإرهاب، وحركات القهر والعودة إلى التخلف والوراء.

الخيال هو مشروع التمرد والثورة ضد الظلم والجهل وفساد الضمير، وازدواج المقاييس، والثنائيات الباطلة، التي نشأت منذ عصور العبودية حين انقسم المجتمع إلى أسياد وعبيد، واندرجت النساء مع الماشية تحت بند العبيد.

خطرت لي هذه الأفكار وأنا أقرأ رواية الأعشاب التي ثارت حولها الضجة في مصر في الشهر الماضي، ثار بعض الناس وتظاهروا ضد الرواية؛ لأن فيها بعض عبارات قالوا إنها تمس المقدسات الدينية.

حين قامت الضجة لم أحاول الحصول على نسخة من الرواية أو الكتابة عنها، لكني وقفت بالفطرة والطبيعة مع حرية الإبداع وإطلاق العنان للخيال دون حدود أو قيود، إن هذا هو شرط تاريخي في مجالات الاختراعات العلمية والفنية على حد سواء.

كنت على يقين أن الضجة سوف تنتهي، بعد أن تنتصر حرية الإبداع والخيال على كل ما يعوقها أو يقيدها تحت مسميات أخلاقية ودينية.

ثم وقعت تحت يدي بالصدفة نسخة من الرواية، جاءتني هدية من شابة سورية، أرادت أن تعرف رأيي في الرواية؛ لهذا قرأتها باهتمام شديد، أدركت بعد قراءتها أنها لا تمس المقدسات الدينية، لكنها رواية مبتورة الخيال، تتحول فيها الإنسانة المرأة إلى مجرد أنثى تملك فخذين من الرخام الناعم، سواء أكانت عشيقة محتقرة أو حبيبة مقدسة.

تبدأ الرواية في أول صفحة تقول: أنا الصياد الذي لا يرتاح أبدا، والتي أقصدها تطير أمامي، تقودني إلى ما وراء الجبال، عبر بحار بلا شموس، داخل الليل والموت. يقتبس المؤلف هذه الكلمات من رجل اسمه هومان ملفيل، أول صفحة نرى بطل الرواية يجري وراء فتاة ترفع الريح ثوبها عن فخذين كالرخام ناصعي البياض مكتنزين باللحم، يناديها باسم طفلتي الملائكية، اسمها آسيا الأخضر، بطل الرواية اسمه مهدي جواد، له أيضا عشقية اسمها فلة، يصفها بالشهوانية والدمامة والاحتقار، امرأة يقول عنها ثرثارة مبذولة، وقد رأى ما بين فخذيها وهي تصعد الشجرة فأثارت شهوته.

منذ الطفولة ندرك أن مهدي جواد ممتلئ برغبة عارمة في الصيد وقتل الطيور والحيوانات، وقد امتدت نزعة الصيد على جنس النساء في شبابه، مع ذلك يقدم نفسه كمناضل وطني يؤمن بالاشتراكية والعدالة في حياة البشر، لكن خيال المؤلف مبتور لا يرى من البشر إلا نصفهم فقط وهم الرجال الذكور؛ لأن النساء في الرواية مجرد كائنات خلقها الله من أجل إشباع الغريزة الجنسية عند بطل الرواية وزملائه المناضلين، الذين هربوا من الاستبداد والقمع في بلدهم العراق، وهاجروا إلى الجزائر.

يدور الحوار بينهم كالتالي: خلق الرجل للمبيت في أكثر من عش، تلك رغبة ربنا وأنبيائه والمرسلين. - أي عش يفضل وريث الأنبياء؟ - الدافئ والضيق.

صفحه نامشخص