وتؤدي «العولمة» كما أدت «التنمية» إلى مزيد من الفقر للفقراء، ومزيد من القهر للنساء، وأدى ما سمي ب «الإصلاح الاقتصادي» إلى النتيجة نفسها، وتصبح النساء الفقيرات في أي بلد هن الضحايا وكبش الفداء أو «الصيد السهل» في أية أزمة عسكرية أو اقتصادية، وهل ننسى صور النساء الفلسطينيات الهالكات بجوار حطام بيوتهن وجثث أولادهن وبناتهن، وهل ننسى صور النساء المقتولات تحت اسم الشرف والأخلاق أو الدين في أفغانستان وإيران والأردن والجزائر والسودان ومصر وغيرها؟ وتتعدد أسباب القتل للنساء في أوقات الحرب أو السلم، وقد تقتل المرأة نفسها لمجرد الخلاص من الألم أو الهوان في ظل زوج طاغ أو احتلال أجنبي.
وقد حل الإرهاب الإسلامي محل الإرهاب الشيوعي في عصر العولمة أو الاستعمار الجديد، وأصبح السلاح الديني أشد فتكا بالمقهورين والمقهورات من السلاح العسكري، وأقل تكلفة، يكفي طبع وتوزيع الكتب الدينية مع إعادة تفسيرها بما يخدم مصالح النظام الطبقي الأبوي الممتد منذ العبودية إلى يومنا هذا تحت أثواب وألوان جديدة.
وأصبحت التيارات الدينية الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية أو الهندوكية أو غيرها، والتي عرفت باسم «التيارات الأصولية» هي الوجه الآخر الديني أو الثقافي للعولمة الاقتصادية الرأسمالية.
أصبح تحجيب النساء تحت اسم الدين أو الأخلاق هو الوجه الآخر لتعرية أجسادهن تحت اسم التجارة في السوق الرأسمالية الحرة.
ودخلت العولمة شركات جديدة لبيع المواليد في سوق التبني الدولية، وضحاياهم هم الأطفال الفقراء والنساء من مختلف الطبقات الفقيرة أو الوسطى، وكم من امرأة بلا أطفال دفعت لهؤلاء التجار مقابل الحصول على طفل أو طفلة، وكم من امرأة فقيرة مثقلة بالحمل والولادة وكثرة الأطفال باعت من أطفالها لهؤلاء التجار مقابل الحصول على الطعام أو المأوى، وفي ظل النظام الطبقي الأبوي تصبح الأمومة عبئا ثقيلا على النساء الفقيرات، وحلما بعيد المنال للنساء العاقرات، وكلاهما نوع من القهر والإذلال.
إنها أنواع من التجارة الجديدة في السوق الرأسمالية القائمة على الربح؛ والتي يسمونها السوق الحرة، وهي حرية العبيد في بيع أطفالهم من أجل سد الرمق، هي حرية الأمهات المكلومات في البكاء والولولة على ضياع أطفالهن أو تحطيم بيوتهن، وقد أصبح «الفقر مؤنثا» حسب تقارير الأمم المتحدة، وتدفع النساء في العالم ثمن الفشل في المشاريع الحديثة أو ما تسمى «التنمية»، وتدفع النساء عبء الديون الخارجية والداخلية الناتجة عن سياسات البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، ألهذا السبب تزايدت أعداد النساء والمنظمات النسائية المشاركة في المظاهرات العالمية ضد العولمة ؟
وكم شهدنا من المظاهرات الجديدة التي شملت النساء والرجال والشباب والأطفال من مختلف البلاد، أشهرها المظاهرة الشعبية في مدينة سياتل في نهاية عام 1999، ومن بعدها لم تكف هذه المظاهرات الشعبية في عواصم العالم ضد المؤسسات الاقتصادية للرأسمالية الدولية.
وقد اشتركت في بعض هذه المظاهرات خلال الشهور الماضية، منها مظاهرة بورتر أليجري في فبراير 2002، ومظاهرة برشلونة في مارس 2002، ومظاهرة واشنطن في أبريل 2002، حيث التحمت المظاهرة ضد العولمة مع المظاهرة المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني؛ ولذلك في مظاهرة لندن في مايو 2002، وغيرها من المظاهرات التي تابعت أحداثها في الصحف، مما يؤكد أن الشعوب المقهورة قادرة دائما على الثورة والمقاومة، وأن الأمل النابع من هذه المقاومة والحركة لا يمكن أن ينطفئ، وأن الانتصار على الظلم والقهر سوف يتحقق للشعوب المناضلة من النساء والرجال والشباب والأطفال.
إن الأمل «قوة» تنتشل البشر من اليأس أو الحزن الناتج عن عدم الفعل، هذا الأمل هو الشعلة الجديدة التي يحملها الآلاف من النساء والرجال في المظاهرات العالمية والمحلية، وفي التنظيمات السياسية الجديدة التي تلغي الفوارق بين البشر، وتكسر حواجز اللغة والدين والجنس والجنسية والعمر والعرق واللون والمهنة وغيرها، هذه الفوارق المصنوعة بين الناس من أجل تقسيمهم حتى يسهل التحكم فيهم، حسب المبدأ الاستعماري المعروف: «فرق تسد.»
هذا الأمل الجديد هو العمل السياسي المنظم داخل كل بلد، وهذا الوعي المتزايد بضرورة التوحيد بين الشعوب في مواجهة الحكومات الطاغية في الغرب والشرق والشمال والجنوب، والكشف الدائم عن الترابط بينهم، إنها حركة شعبية محلية وعالمية في آن واحد تنبئ بعالم جديد يبتدي في الأفق.
صفحه نامشخص