الثاني: العلوم إما آلية أو غير آلية، لأنها إما أن لا تكون في أنفسها آلة لتحصيل شيء آخر بل كانت مقصودة بذواتها، أو تكون آلة له غير مقصودة في أنفسها، الثانية تسمى آلية والأولى تسمى غير آلية.
ثم إنه ليس المراد بكون العلم في نفسه آلية أن الآلية ذاتية لأن الآلية للشيء تعرض له بالقياس إلى غيره، وما هو كذلك ليس ذاتيا بل المراد أنه في حد ذاته بحيث إذا قيس إلى ما هو آلة يعرض له الآلية ولا يحتاج في عروضها له إلى غيره، كما أن الإمكان الذاتي لا يعرض للشيء إلا بالقياس إلى وجوده؛ والتسمية بالآلية بناء على اشتمالها على الآلة فإن العلم الآلي مسائل كل منها مما يتوسل به إلى ما هو آلة له، وهو الأظهر إذ لا يتوسل بجميع علم إلى علم.
ثم اعلم أن مؤدى التقسيمين واحد إذ التقسيمان متلازمان؛ فإن ما يكون في حد ذاته آلة لتحصيل غيره لا بد أن يكون متعلقا بكيفية تحصيله فهو متعلق بكيفية عمل، وما يتعلق بكيفية عمل لا بد أن يكون في نفسه آلة لتحصيل غيره، فقد رجع معنى الآلي إلى معنى العملي، وكذا ما لا يكون آلة له كذلك لم يكن متعلقا بكيفية عمل، وما لم يتعلق بكيفية عمل لم يكن في نفسه آلة لغيره، فقد رجع معنى النظري وغير الآلي إلى شيء واحد.
ثم اعلم أن غاية العلوم الآلية أي العلة الغائية لها حصول غيرها، وذلك لأنها متعلقة بكيفية العمل ومبينة لها، فالمقصود منها حصول العمل سواء كان ذلك العمل مقصودا بالذات أو مقصودا لأمر آخر يكون هو غاية أخيرة لتلك العلوم، وغاية العلوم الغير الآلية حصولها أنفسها وذلك لأنها في حد أنفسها مقصودة بذواتها وإن أمكن أن يترتب عليها منافع أخرى، فإن إمكان الترتب الاتفاقي بل وقوعه لا ينافي كون المرتب عليه مقصودا بالذات إنما المنافي له قصد الترتب. والحاصل أن المراد بالغاية هي الغاية الذاتية التي قصدها المخترع الواضع لا الغاية التي كانت حاملة للشارع على الشروع، فإن الباعث للشارع في الشروع في العلوم الآلية يجوز أن يكون حصولها أنفسها، وفي العلوم الغير الآلية يجوز أن يكون زائدا على أنفسها.
فإن قيل: غاية الشيء علة له ولا يتصور كون الشيء علة لنفسه، فكيف يتصور كون غاية العلوم الغير الآلية حصولها أنفسها؟ قيل: الغاية تستعمل على وجهين: أحدهما أن تكون مضافة إلى الفعل وهو الأكثر، يقال غاية هذا الفعل كذا، وحينئذ تكون الغاية مترتبة على نفس ذي الغاية وتكون علة لها. الثاني أن تكون مضافة إلى المفعول، يقال غاية ما فعل كذا، وحينئذ تكون الغاية مترتبة على فعله وعلة له لا لذي الغاية، أعني ما أضيف إليه الغاية؛ والغاية فيما نحن فيه من القسم الثاني لأن المضاف إليه للغاية هاهنا المفعول وهو المحصل، أعني العلوم دون الفعل الذي هو التحصيل، فالمراد بغايتها ما يترتب على تحصيلها ويكون علة له لا لها، هذا كله خلاصة ما في شرح المطالع وحواشيه. الثالث إلى عربية وغير عربية. الرابع إلى شرعية وغير شرعية. الخامس إلى حقيقية وغير حقيقية. السادس إلى عقلية ونقلية، فالعقلية ما لا يحتاج فيه إلى النقل والنقلية بخلاف ذلك. السابع إلى العلوم الجزئية وغير الجزئية، فالعلوم التي موضوعاتها أخص من موضوع علم آخر تسمى علوما جزئية كعلم الطب فإن موضوعه وهو الإنسان أخص من موضوع الطبعي، والتي موضوعاتها أعم يسمى بالعلم الأقدم لأن الأعم أقدم للعقل من الأخص، فإن إدراك الأعم قبل إدراك الأخص كذا في بحر الجواهر.
صفحه ۶