204

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم

پژوهشگر

د. علي دحروج

ناشر

مكتبة لبنان ناشرون - بيروت

شماره نسخه

الأولى - 1996م.

الصديق الأكبر «1» عند ذهاب رسول الله في وقت الهجرة من مكة إلى المدينة، حين سأله بعض الكفار عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: من هذا قدامك؟ فقال الصديق: رجل هادينا. فالتفصيل هاهنا كان موجبا للفساد العظيم فالأصح أنه ممكن لعدم امتناع وضع اللفظ الواحد لمعان متعددة مختلفة بأوضاع متعددة.

وقد يجاب بأنه يفهم واحد من المعاني، ولا يلزم الترجيح بلا مرجح لجواز أن يكون بين بعض المعاني والذهن مناسبة ينتقل الذهن من اللفظ إليه أو يكون بعضها مناسبا للفظ بحيث يتبادر الذهن بسبب تلك المناسبة إليه، أو يكون بعضها مشهورا بحيث يتسارع الذهن بسبب الشهرة إليه، أو تكون القرينة مرجحة لبعض المعاني على الآخر.

والاختلاف الثاني في وقوع الاشتراك في اللغة، قال البعض: ليس بواقع، لأن وقوعه يوجب الإجمال والإبهام وهو مخل للاستعمال «2» إذا لم يبين. وأما إذا بين المراد «3» فالبيان هو الكافي للمقصود «4»، ولا حاجة إلى غيره، فيلزم اللغو في وقوع المشترك ولأن الواضع إن كان هو الله تعالى فهو متعال عن اللغو والعبث، وإن كان غيره تعالى فلا بد لصدور الوضع من علة غائية لأن الفعل الاختياري لا بد له من علة غائية كما تقرر في موضعه. وأجيب بأن الإجمال والإبهام قد يكون مقصودا في الاستعمال كما عرفت، ومثل أن يريد المتكلم إفهام مقصوده للمخاطب المعين وإخفاءه عن غيره، فيتكلم بلفظ مشترك يفهم المخاطب مراده «5» منه بسبب كونه معهودا بينهما من قبل، أو بسبب قرينة خفية بحيث يفهم المخاطب دون غيره؛ والمبين قد يكون أبلغ من البيان وحده، وقد يحدث من اجتماعهما لطافة في الكلام لا يحصل من البيان وحده، وغير ذلك من الفوائد.

وأجيب بأن الواضع إذا كان الله تعالى فقد يكون المقصود منه ابتلاء العلماء الراسخين، وقد يكون المقصود منه توسيع المفاهيم بالنظر إلى جماعة العلماء المجتهدين، وقد يكون المقصود تشويق المخاطبين إلى فهم المراد «6» حتى إذا ادركوه بعد التأمل وجدوه لذيذا لأن حصول المطلوب بعد الطلب والتعب يكون ألذ من المنساق بلا تعب وبغير نصب. وإن كان الواضع غيره تعالى فالمقصود قد يكون واحدا من تلك الأغراض وقد يكون غيرها مثل إخفاء المراد «7» من غير المخاطب، ومثل اختبار ذهن المخاطب هل يفهم بالقرائن أم لا، أو اختيار مقدار فهم المخاطب هل يدرك بالقرائن الخفية أم لا، وغيرها من الأغراض. وقد يكون الواضع متعددا، فشخص وضع لفظا لمعنى

صفحه ۲۰۴