ويقاس على هذا إيقاد القناديل والشمع عند قبور الأولياء والصالحين وهو أيضا من باب التعظيم والاجلال للأولياء. فالمقصد فيها مقصد حسن لا سيما إن كان لذلك الولي فقراء يخدمونه، يحتاجون إلى إيقاد المصباح ليلا لقراءة قرآن أو تسبيح أو تهجد وإن كره الفقهاء الصلاة عند القبور ولكن محله في غير الموضع المعد لذلك، المتباعد عن القبر. وقد قال والدي رحمه الله تعالى في حاشيته على شرح الدرر: وتكره الصلاة في المقبرة لأنه يشبه اليهود. فإن كان فيها موضع أعد للصلاة ليس فيه قبر ولا نجاسة. فلا بأس به كما في الخانية وفي الحاوي.
فإن كانت القبور وراء المصلي لا يكره وإن كان بينه وبين القبر مقدار ما لو كان في الصلاة ومر إنسان لا يكره فههنا أيضا لا يكره انتهى.
وأما وضع اليدين على القبور والتماس البركة من مواضع روحانيات الأولياء فهو أمر لا بأس به أيضا. قال في جامع الفتاوى. وقيل: لا يعرف وضع اليد على المقابر سنة ولا مستحبا ولا نرى به بأسا انتهى. والأعمال بالنيات فإن كان مقصده خيرا كان خيرا. والله يتولى السرائر.
وأما نذر الزيت والشمع للأولياء يوقد عند قبورهم تعظيما لهم ومحبة فيهم فهو جائز في الجملة. أرأيت أن الفقهاء قالوا في وقف الذمي الزيت على سراج بيت المقدس:
إنه صحيح لكونه قربة عندنا وعندهم. وفي كتاب أوقاف الخصاف من بحث وقف الذمي فإن قال أرضي صدقة موقوفة تكون غلتها في ثمن زيت للإسراج في بيت المقدس.
قال: هذا جائز لأنه قربة عندنا وعندهم انتهى وبيت المقدس مسجد شريف فالإسراج فيه من جملة تعظيمه وكذلك قبور الصالحين والأولياء المقربين.
وكذلك نذر الدراهم والدنانير للأولياء بأن تصرف على فقرائهم المجاورين عند قبورهم أمر جائز في نفسه لأن النذر فيه مجاز عن العطية كما قالوا في الهبة للفقراء إنه صدقة فليس له الرجوع بها وفي الصدقة على الأغنياء. أنها هبة فيثبت له الرجوع فيها. فالعبرة لمقاصد الشرع دون الألفاظ. فإن النذر إنما هو مخصوص بالله تعالى فإذا استعمل في غيره كمن قال لرجل: لك على عشرة دراهم إن شفا الله مريضي ونحوه. ثم قال: نذرت لفلان كذا كان وعدا منه بذلك
صفحه ۱۶