المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١) . ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢) . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا ًعَظِيمًا﴾ (٣) . أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فإنه لا يشك مسلم –صاحب سنة- في أهمية التوحيد الخالص، وضرورته للبشرية أجمع، فإن من المعلوم أن الله ما أرسل رسولًا إلا _________ (١) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢. (٢) سورة النساء، الآية: ١. (٣) سورة الأحزاب، الآيتان: ٧٠و٧١.

1 / 5

وأمره بأن يدعو الناسِ إلى عبادة الله وحده وينذرهم من الإشراك به. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون﴾ (١) . وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (٢) . قال الحافظ ابن كثير (٣): (وكلهم –أي الرسل- يدعون إلى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه.. فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد ﷺ الذي طبقت دعوته الأنس والجن في المشارق والمغارب، وكلهم كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون﴾، وقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُون﴾،وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت﴾ ا. هـ. قال الإمام العلامة الإمام عبد الرحمن بن حسن (٤): (ودلت هذه الآية –أي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا ...﴾ -على أن الحكمة في إرسال الرسل دعوتهم أممهم إلى عبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه. وأن هذا هو دين الأنبياء والمرسلين، وإن اختلفت شريعتهم ...) ا. هـ. _________ (١) سورة النحل، الآية: ٣٦. (٢) سورة النحل، الآية: ٣٦. (٣) انظر تفسير ابن كثير (٢/٥٦٨) . (٤) انظر "فتح المجيد": ص ١٧.

1 / 6

فأصل الدين هو التوحيد الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، وهو الدين الذي لا يقبل الله دينًا سواه. وليس التوحيد مقصورًا على توحيد الربوبية فقط، وأن الله هو الخالق الرازق.. فهذا قد أقر به كفار قريش، بل التوحيد توحيد الآلهية، وهو لب التوحيد، وهو التوحيد الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب. قال الإمام العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله (١): (وهذا التوحيد –أي توحيد الآلهية- هو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله (٢)، فإن إلا إله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال، والتعظيم، وجميع أنواع العبادة، ولأجل هذا التوحيد خلقت، وأرسل الرسل، وأنزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة وأشقياء أهل النار) . وقد رتب الله الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن حقق التوحيد. إذا علم هذا كله، فإنه من العجب العجاب عزوف كثير من الدعاة –رزقنا الله وإياهم اتباع السنة- عن تعلم التوحيد، وتعليمه وبذله للناس. فتجد أحدهم يتخذ من أسلوب الترغيب والترهيب بصفة دائمة طريقًا لدعوة الناس إلى الله ﷿ وكأن الله ﷿ لم يرسل الرسل ولم ينزل الكتب إلا لذلك. وآخر تجده يجمع الألوف المؤلفة من الناس ليقرأ لهم قصاصات من _________ (١) انظر "تيسير العزيز الحميد": ص ٣٦. (٢) فسر كثير من الجهلة كلمة التقوى "لا إله إلا الله" بأنها لا حاكمية إلا الله، متبعين بذلك أقوال أهل البدع في تفسيرها بعد أن ألقوا تفاسير أهل السنة لها وراءهم ظهريًا، نعوذ بالله من رين الذنوب وانتكاس القلوب والله المستعان.

1 / 7

الصحف والمجلات، ليعلم الناس- بزعمه- فقه واقعهم وما تدبره الأعداء لهم. وآخر يشغلهم بخطر الكفرة وأذنابهم، ووجوب معاداتهم، ويغفل أو يتغافل عن خطر أهل البدع والأهواء، فلا يحذر منهم بل يعظمهم ويبجلهم مع أنهم أشد خطرًا على الإسلام من اليهود والنصارى وأذنابهم. وآخر يشغلهم بالتهييج السياسي، وتفخيم أخطاء الولاة في نظر العامة مدعٍ أن ذلك من النصح للأمة. فلا تكاد تسمع لأحدهم خطبة أو محاضرة إلا ويفعل ذلك. أما تبصير الناس بأمر التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، فلا تجد له ذكرًا، وإن ذكر عندهم فهو قليل بالنسبة إلى غيره. فمن باب النصيحة لهؤلاء نقول: إن في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ غنية لمن أراد الحق وطلبه، وأن في منهج السلف الصالح بيانًا واضحًا، وجوابًا كافيًا لمن سأل عن طريقتهم في إرشاد العباد إلى عبادة رب العباد. ونقول لهؤلاء –أيضًا-: سيروا على ما كان عليه سلفكم الصالح من دعوة الناس إلى توحيد الله ﷿ وربط الناس به ربطًا وثيقًا، ودعوا عنكم الطرق المبتدعة، التي تقودكم –من حيث لا تعلمون – إلى الهاوية.. إلى النهاية. ونقول لهؤلاء –أيضًا-: إن منهج أئمة الدعوة السلفية في البلاد النجدية هو المنهج السلفي، وهو الطريق النبوي. وكيف لا يكون منهجهم كذلك؟ وهم على منهج السلف ساروا، وبأقوالهم أخذوا وبأعمالهم اقتدوا، وبهداهم اهتدوا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

1 / 8

وقد دافع علماء الدعوة السَّلفيَّة في البلاد النَّجدية عن الإسلام والسنة دفاعًا مستميتًا، وبذلوا في ذلك كل غالٍ ونفيس، فألفوا الكتب، وبثوا الرسائل في كل البقاع، ودرسوا الناس وعلموهم أمور دينهم، ونشروا السنة في وقت كادت فيه أن تعدم، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. ولم يكتفوا بذلك بل ردوا على كل من حارب الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، نصحًا للأمة وبراءة للذمة، ولتكون كلمة الله هي العليا. فسيروا يا شباب الإسلام على طريقهم يبلغكم الله ما بلغهم إياه من النصرة والعزة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (١) ﵀: (وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم، كما قال تعالى: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ . ويرحمون الخلق فيريدون لهم الهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداء، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم، وجهلهم، وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا ... ". وكتابنا هذا يمثل سلسلة من الردود العلمية التي قام بها أئمة الدعوة السلفية في البلاد النجدية، حماية للسنة النبوية، من الشرك والضلالات الشياطينية، ومن البدع والخزعبلات الخرافية. _________ (١) انظر "الرد على البكري": ص ٢٥٨.

1 / 9