<1/ 30> وزعمت المعتزلة فيمن لم يسمع وله عقل صحيح أنه مكلف بكل ما يدركه عقله، وحطوا عنه كل ما لا يدركه حتى يسمع، ويناسب ما ذهبت إليه قول أصحابنا أنه من سمع عن النبي صلى الله عليه وسلم وآمن وغاب ونزل بعد غيبته ما لم يسمعه من فرض كصلاة أو تحريم ما لا يدرك بتحريمه العقل أو نزل ما نسخ ما سمع فإنه لا يكلف ما بعد غيبته حتى يصله الخبر. ومن كلام أصحابنا: الله أرأف وأكرم من أن يؤاخذ من كان بالصين أمرا أمر به من كان في الحجاز. ومن كلام أصحابنا أن الحجة قامت بالكتاب والرسل مع العقل، فإن كان من حين النزول كما قال به بعض أصحابنا فتكليف ما لا يطاق بأن يكلف أهل الأرض كلهم بما نزل به جبريل في الحين قبل رجوعه إلى السماء، وإن كان بعد مدة فما قدرها؟ وما الفرق بين هذه المدة وما بعدها وما قبلها وإلام تنتهي؟ فقد تطول جدا، ويناسب ما ذهبت إليه أن من كان على دين نبي ولم تبلغه دعوة نبي بعده معذور، {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} [سورة التوبة: 115] فإذا هداهم إلى التوحيد بالدلالة التكوينية لم يعاقبهم ولم ينسبهم إلى الضلال حتى يبين لهم دلائل السمع بالإبداع.
صفحه ۲۹