وأمكر وأغدر. وقال أيضا: نحن أطعم للطعام وأضرب للهام [1] وقد عرفت جفاء المكيين وطيش المدنيين وأعراق بني هاشم مكية ومناسبهم مدنية، ثم ليس في الأرض أحسن أخلاقا ولا أطهر بشرا ولا أدوم دماثة [2] ولا ألين عريكة ولا أطيب عشيرة ولا أبعد من كبر منهم، والحدة لا يكاد يعدمها الحجازي والتهامي إلا أن حليمهم لا يشق غباره، وذلك في الخاص والجمهور على خلاف ذلك حتى تصير إلى بني هاشم، فالحلم في جمهورهم، وذلك يوجد في الناس كافة، ولكنا نضمن أنهم أتم الناس فضلا وأقلهم نقصا، وحسن الخلق في البخيل أسرع، وفي الذليل أوجد، وفيهم مع جودهم وظهور عزهم من البشر الحسن والاحتمال وكرم التفاضل ما لا يوجد مع البخيل الموسر، والذليل المكثر الذين يجعلان البشر وقاية دون المال، وليس في الأرض خصلة تدعو إلى الطغيان والتهاون بالأمور وتفسد العقول وتورث السكر إلا وهي تعتريهم وتعرض لهم دون غيرهم، إذا قد جمعوا من الشرف العالي والمغرس الكريم العز والمنعة مع إبقاء الناس عليهم والهيبة لهم وهم في كل أوقاتهم وجميع أعصارهم فوق من هم على مثل ميلادهم، في الهيئة الحسنة والمروة الظاهرة، والأخلاق المرضية، وقد عرفت الحدث العزيز من فتيانهم وذوي الغرامة من شبانهم، إنه إن افترى لم يفتر عليه وإن ضرب لم يضرب، ثم لا تجده إلا قوي القلب [3]، بعيد الهمة، كثير المعرفة، مع خفة ذات اليد، وتعذر الأمور، ثم لا تجد عند أفسدهم شيئا من المنكر إلا رأيت في غيره من الناس أكثر منه من مشايخ القبائل وجمهور العشائر، وإذا كان فاضلهم فوق كل فاضل، وناقصهم أنقص نقصانا من كل ناقص، فأي دليل أدل وأي برهان أوضح مما قلته، وقد علمت أن الرجل منهم ينعت بالتعظيم والرواية في دخول الجنة بغير حساب، ويتأول القرآن له، ويزاد في طمعه بكل حيلة وينقص من خوفه، ويحتج له بأن النار لا تمسه، وأنه ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وأنت تجد لهم مع ذلك العدد الكثير من الصوام والمصلين والتالين الذين لا يجاريهم احد ولا يقاربهم.
صفحه ۵۵