كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة
لأبي عبد الله محمد بن مالك بن أبي القبائل الحمادي المعافري اليماني
1 / 1
- بسم الله الرحمن الرحيم -
قال محمد بن مالك ﵀: اعلموا أيها الناس المسلمون - عصمكم الله بالإسلام وجنبنا وإياكم طريق الآثام وأصلحكم وأرشدكم ووفقكم لمرضاة وسددكم - أني كنت أسمع ما يقال عن هذا الرجل الصليحي كما يسمعون وما يتكلم به عليه من سيء الإذاعة وقبح الشناعة، فإذا قال القائل: هو يفعل ويصنع، قلت: أنت تشهد عليه غدا؟ فيقول: ما شهدت ولا عاينت بل أقول كما يقول الناس. فكنت أتعجب من هذا أولا ولا أكاد أصدق ولا أكذب ما قد أجمع عليه الناس ونطقت به الألسن،
1 / 21
فتارة أقول: هذا ما لا يفعله أحد من العرب والعجم ولا سمع به فيما تقدم من سالف الأمم، إنما هذه عداوة له من الناس للمآل الذي بلغه من غير أصل ولا أساس، وكنت كثيرا ما أسمعه يقول: "حكم الله لنا على من يظلمنا ويرمينا بما ليس فينا".
فرأيت أن أدخل في مذهبه لأتيقن صدق ما قيل فيه من كذبه، ولأطلع على سرائره وكتبه، فلما تصفحت جميع ما فيه وعرفت معانيها رأيت أن أبرهن على ذلك ليعلم المسلمون عمدة مقالته وأكشف لهم عن كفره وضلالته نصحة لله وللمسلمين وتحذيرا ممن يحاول بغض هذا الدين، والله موهن كيد الكافرين.
فأول ما أشهد به وأشرحه وأبينه للمسلمين وأوضحه أن له نوابا يسميهم الدعاة المأذونين، وآخرين يلقبهم المكلّبين تشبيها لهم بكلاب الصيد لأنهم ينصبون للناس الحبائل ويكيدون لهم بالغوائل، وينقضون على كل عاقل، ويلّبسون على كل جاهل، بكلمة حق يراد بها الباطل، يحضونه على شرائع الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام، كالذي ينثر الحب للطير
1 / 22
ليقع في شركه، فيقيم فيه أكثر من سنة يمضون به وينظرون صبره، ويتصفحون أمره، ويخدعونه بروايات عن النبي ﷺ محرفة وأقوال مزخرفة، ويتلون عليه القرآن على غير وجهه، ويحرفون الكلم عن مواضعه. فإذا رأوا منه الانهماك والركون والقبول والإعجاب بجميع ما يعملونه والانقياد بما يأمرونه قالوا حينئذ: اكشف عن السرائر ولا ترضى لنفسك ولا تقنع بما قد قنع به العوام من الظواهر وتدبر القرآن ورموزه واعرف مثله وممثوله واعرف الصلاة والطهارة وما روي عن النبي ﷺ بالرموز والإشارة دون التصريح في ذلك والعبارة فإنما جميع ما عليه الناس أمثال مضروبة لممثولات محجوبة، فاعرف الصلاة وما فيها وقف على باطنها ومعانيها لأن العمل بغير العلم لا ينتفع صاحبه به فيقول: عم أسأل؟
1 / 23
فيقول: قال الله تعالى: ﴿َأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. فالزكاة المفروضة في كل عام مرة وكذلك الصلاة من صلاها مرة في السنة فقد أقام الصلاة بغير تكرار، وأيضا فالصلاة والزكاة لهما باطن، لأن الصلاة صلاتان، والزكاة زكاتان، والصوم صومان، والحج حجان، وما خلق الله سبحانه من ظاهر إلاّ وله باطن، يدل على ذلك: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾، و﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، ألا ترى أن البيضة لها ظاهر وباطن، فالظاهر ما تساوى به الناس وعرفه الخاص والعام، وأما الباطن فقصر علم الناس به عن العلم به فلا يعرفه إلا القليل، من ذلك قوله: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾، وقوله: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، فالأقل من الأكثر الذين لا عقول لهم.
والصلاة والزكاة سبعة أحرف دليل على محمد وعلى ﷺ عليهما لأنهما سبعة أحرف، فالمعني بالصلاة والزكاة ولاية محمد وعلي، فمن تولاهما فقد أقام الصلاة وآتى الزكاة. فيوهمون على من لا يعرف لزوم الشريعة والقرآن وسنن النبي ﷺ فيقع هذا من ذلك المخدوع بموقع الاتفاق والموافقة لأنه مذهب الراحة والإباحة، يريحهم مما تلزمهم الشرائع من طاعة الله ويبيح لهم ما حظر عليهم من محارم الله. فإذا قبل منهم ذلك المغرور هذا قالوا له: قرب قربانا يكون لك
1 / 24
سلّما ونجوى، ونسأل لك مولانا يحط عنك الصلاة ويضع عنك هذا الإصر، فيدفع اثني عشر دينار فيقول ذلك الداعي: يا مولانا! إن عبدك فلان قد عرف الصلاة ومعانيها فاطرح عنه الصلاة وضع عنه هذا الإصر، وهذا نجواه اثنا عشر دينار، فيقول: اشهدوا أني قد وضعت عنه الصلاة، ويقرأ له ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾.
فعند ذلك يقبل عليه أهل هذه الدعوة يهنئونه ويقولون: الحمد لله الذي وضع عنك ﴿وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾، ثم يقول له ذلك الداعي الملعون بعد مدة: قد عرفت الصلاة وهي أول درجة، وأنا أرجو أن يبلغك الله إلى أعلى الدرجات فاسأل وابحث، فيقول: عم أسأل؟ فيقول له: سل عن الخمر والميسر اللذين نهى الله تعالى عنهما أبو بكر وعمر لمخالفتهما على علي وأخذهما الخلافة من دونه، فأما ما يعمل من العنب والزبيب والحنطة وغير ذلك فليس بحرام لأنه مما أنبتت الأرض. ويتلو عليه:
1 / 25
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ إلى آخر الآية. ويتلو عليه: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ إلى آخر الآية، والصوم الكتمان فيتلو عليه: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه﴾، يريد كتمان الأئمة في وقت استتارهم خوفا من الظالمين ويتلو عليه: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾، فلو كان عني بالصيام ترك الطعام، لقال: فلن أطعم اليوم شيئا فدل على أن الصيام الصموت. فحينئذ يزداد ذلك المخدوع طغيانا وكفرا، وينهمك إلى قول ذلك الداعي الملعون؛ لأنه أتاه بما يوافق هواه والنفس الأمارة بالسوء.
ثم يقول له: ادفع النجوى تكون سلما ووسيلة حتى نسأل مولانا يضع عنك الصوم. فيدفع اثني عشر دينارا فيمضي به إليه فيقول: يا مولانا، عبدك فلان قد عرف معنى الصوم على الحقيقة فأبح له الأكل برمضان،
1 / 26
فيقول له: قد وثقته وأمنته على سرائرنا؟ فيقول له: نعم، فيقول: قد وضعت عنك ذلك. ثم يقيم بعد مدة فيأتيه ذلك الداعي الملعون فيقول له: لقد عرفت ثلاث درجات فاعرف الطهارة وما هي وما معنى الجنابة ما هي في التأويل؟ فيقول: فسر لي ذلك؟ فيقول له: اعلم أن معنى الطهارة طهارة القلب، وأن المؤمن طاهر بذاته، والكافر النجس لا يطهره ماء ولا غيره، وأن الجنابة هي موالاة الأضداد، أضداد الأنبياء والأئمة، فأما المني فليس بنجس منه خلق الله الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة، وكيف يكون نجسا وهو مبدأ خلق الإنسان وعليه يكون أساس البنيان، فلو كان التطهير منه من أمر الدين لكان الغسل من الغائط والبول أوجب لأنهما نجسان، وإنما معنى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، معناه فإن كنتم جهلة بالعلم الباطن فتعلموا واعرفوا العلم الذي هو حياة الأرواح كالماء الذي هو حياة الأبدان. قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ﴾. وقوله: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾، فلما سماه الله بهذا دل على طهارته، ويوهمون ذلك المخدوع بهذه المقالة. ثم يأمره ذلك الداعي أن فيدفع اثني عشر دينارا ويقول: يا مولانا، عبدك فلان قد عرف معنى الطهارة الحقيقة، وهذا قربانه إليك. فيقول: اشهدوا أنني قد أحللت له ترك الغسل من الجنابة.
1 / 27
ثم يقيم مدة فيقول له الداعي الملعون: قد عرفت أربع درجات وبقي لك الدرجة الخامسة فاكشف عنها فإنها منتهي أمرك وغاية سعادتك، ويتلو عليه: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ فيقول له: ألهمني إياه ودلني عليه؟ فيتلو عليه: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، ثم يقول له: أتحب أن تدخل الجنة في الحياة الدنيا؟ فيقول: وكيف لي بذلك؟ فيتلو عليه: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى﴾، ويتلو عليه: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، والزينة هاهنا ما خفي على الناس من أسرار النساء، لا يطلع عليها إلا المخصصون بذلك، وذلك قوله: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ﴾، والزينة مستورة غير مشهورة، ثم يتلو عليه: ﴿وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾، فمن لم ينل الجنة في الدنيا لم ينلها في الآخرة؛ لأن الجنة مخصوص بها ذوو
1 / 28
الألباب وأهل العقول دون الجهال، لأن المستحسن من الأشياء ما خفي، ولذلك سميت الجنة جنة لأنها مستجنّة، وسميت الجن جنا لاختفائهم عن الناس، والمجنة المقبرة لأنها تستر من فيها، والترس المجن لأنه يستتر به، فالجنة هاهنا ما استتر عن هذا الخلق المنكوس الذي لا علم لهم ولا عقول، فحينئذ يزداد هذا المخدوع انهماكا، ويقول لذلك الداعي الملعون: تلطف في حالي وبلغني إلى ما شوقتني إليه، فيقول: ادفع النجوى اثني عشر دينارا تكون لك قربانا وسلما. فيمضي به ويقول: يا مولانا، عبدك فلان قد صحت سريرته وصفت حبرته وهو يريد أن تدخله الجنة، وتبلغه جد الأحكام، وتزوجه حور العين؟ فيقول له: وقد وثقته وأمنته؟ فيقول: يا مولانا قد وثقته وآمنته وخبرته فوجدته على الحق صابرا ولأنعمك شاكرا، فيقول: علمُنا صعب مستصعب لا يحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان، فإذا صح عندك حاله فاذهب به إلى زوجتك فاجمع بينه وبينها، فيقول: سمعا وطاعة لله ولمولانا، فيمضي به إلى بيته فيبيت مع زوجته حتى إذا أصبح الصباح قرع عليهما الباب وقال: قوما قبل أن يعلم بنا هذا الخلق المنكوس، فيشكر ذلك المخدوع ويدعو له،
1 / 29
فيقول: هذا ليس من فضلي، هذا من فضل مولانا. فإذا خرج من عنده تسامع به أهل هذه الدعوة الملعونة فلا يبقى منهم أحد إلاّ بات مع زوجته كما فعل ذلك الداعي الملعون، ثم يقول له: لا بد أن تشهد المشهد الأعظم عند مولانا فادفع قربانك. فيدفع اثني عشر دينارا ويصل به ويقول: يا مولانا، إن عبدك فلان يريد أن يشهد المشهد الأعظم وهذا قربانه، حتى إذا جن الليل ودارت الكؤوس وحميت الرؤوس وطابت النفوس أحضر جميع أهل هذه الدعوة الملعونة حريمهم فيدخلن عليهم من كل باب وأطفأوا السرج والشموع، وأخذ كل واحد منهم ما وقع عليه يده، ثم يأمر المقتدي زوجته أن تفعل كفعل الداعي الملعون وجميع المستجيبين، فيشكره ذلك المخدوع على ما فعل، فيقول له: هذا ليس من فضلي هذا من فضل مولانا أمير المؤمنين، فاشكروه ولا تكفروه، ما أطلق من وثاقكم ووضع عنكم أوزاركم وحط عنكم أثقالكم وأحل لكم بعض الذي حرّم عليكم جهّالكم ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
قال محمد بن مالك رحمه الله تعالى: هذا ما اطلعت عليه من كفرهم وضلالتهم، والله تعالى لهم بالمرصاد، والله تعالى عليّ شهيد
1 / 30
بجميع ما ذكرته مما اطلعت عليه من فعلهم وكفرهم وجهلهم، والله يشهد على جميع ما ذكرته، عالم به، ومن تكلم عليهم بالباطل فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، وأخزي الله من كذب عليهم، وأعد له جهنم وساءت مصيرا، ومن حكى عنهم بغير ما هم عليه فهو يخرج من حول الله وقوته إلى حول الشيطان وقوته، فأديت هذه النصيحة إلى المسلمين حسب ما أوجبه الله علي من حفظ هذه الشهادة ومراعاتها وأدائها إلى من لم يسمعها قال الله تعالى: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ﴾. والله أسأله أن يتوفّانا مسلمين، ولا ينزع عنا الإسلام بعد إذ آتانا الله بمنه ورحمته.
المقالة في أصل الدعوة الملعونة ومبدئها
وقد رأيت أيها الناس وفقنا الله وإياكم للصواب وجنبنا وإياكم طرق الكفر والارتياب أن أذكر أحبال هذه الدعوة الملعونة لئلا يميل إلى مذهبهم مائل ولا يصبو إلى مقالتهم لبيب عاقل ويكون في هذا القدر من الكلام في هذا الكتاب إنذار لمن نظره، وأعذار لمن وقف عليه واعتبره.
باب
اعلموا يا إخواني في الإسلام أن لكل شيء من أسباب الخير والشر والنفع والضر والداء والدواء أصولا، وللأصول فروعا، وأصل هذه الدعوة الملعونة التي استهوى بها الشيطان أهل الكفر
1 / 31
والشقوة ظهور [عبيد الله] بن ميمون القداح في الكوفة، وما كان له من الأخبار المعروفة والمنكرات المشهورة الموصوفة، ودخوله في طرق الفلسفة واستعماله الكتب المزخرفة، وتمشيته إياها على الطغام ومكيدته لأهل الإسلام.
وكان ظهوره في سنة ست وسبعين ومائتين من التاريخ للهجرة النبوية، فنصب للمسلمين الحبائل وبغى لهم الغوائل ولبس الحق بالباطل ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾، وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيرا ولكل حديث عن رسول الله ﷺ تأويلا، وزخرف الأقوال وضرب المثال، وجعل لآي القرآن شكلا يوازيه ومثلا يضاهيه. وكان الملعون عارفا بالنجوم معطلا لجميع العلوم ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. فجعل أصل دعوته التي دعاها وأساس بِنْيَتِه التي بناها الدعاء إلى الله وإلى الرسول ويحتج بكتاب الله ومعرفة مثله وممثوله
1 / 32
والاختصاص لعلي بن أبي طالب ﵁ بالتقديم والإمامة والطعن على جميع الصحابة بالسب والأذى، وقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: "لعن الله من سب أصحابي". وقال ﵇: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". وقال ﷺ: "من سب أصحابي فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله كبه الله على وجهه في النار". فأفسد بتمويهه قلوب الجهال وزين لهم الكفر والضلال وله شرح يطول فيه الخطاب غير أني أختصر. وفيما أشرحه كفاية واعتبار لأولي الألباب والأبصار.
وكان هذا الملعون يعتقد اليهودية ويظهر الإسلام، وهو من اليهود من ولد الشلعلع من مدينة بالشام يقال لها سلمية،
1 / 33
وكان من أحبار اليهود وأهل والفلسفة الذين عرفوا جميع المذاهب وكان صائغا يخدم شيعة إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ﵁.
وكان حريصا على هدم الشريعة المحمدية لما ركّب الله في اليهود من عداوة الإسلام وأهله والبغضاء لرسول الله ﷺ فلم ير وجها يدخل به على الناس حتى يردهم عن الإسلام ألطف من دعوته إلى أهل بيت الرسول ﷺ. وكان قد خرج في أيام قرمط البقار، وكان اسمه أو لقبه لأنه كان يقرمط في سيره إذا مشى، ولذلك نسب أهل مذهبه ومذهب بن ميمون إلى قرمط لأنهما اجتمعا وعملا ناموسا يدعوان إليه.
1 / 34
وكانا يعرفان النجوم وأحكام الزمان، فدلهما الوقت على تأسيس ما عملاه فخرج ميمون إلى الكوفة وأقام بها مدة وله أخبار يطول شرحها مما كان منه ومن علي بن فضل والمنصور صاحب مسور وأبي سعيد الجنابي. وأنا أشرح ذلك عند انتهائي إليه إن شاء الله تعالى. وأما قرمط البقار فإنه خرج إلى بغداد وقتل هناك لا ﵀.
باب ذكر ما كان من القداح وعقبه لعنه الله وتعلق بسببه ودخل ضلالته ومذهبه
وكان أول أولاده عبيد وهو المهدي، ثم محمد وهو القائم، ثم الطاهر إسماعيل المنصور، ثم المعز ثم العزيز ثم الحاكم ثم الظاهر ثم معد المستنصر. هؤلاء الذين ينسبون إليه إلى عصرنا هذا، فانتسبوا إلى ولد الحسين بن علي بن أبي طالب ﵁، وانتحالهم انتحال كاذب وليس لهم في ذلك برهان. وأهل الشرف ينكرون ذلك فإنهم لم
1 / 35
يجدوا لهم في الشرف أصلا مذكورا ولا عرفوا لهم في كتاب الشجرة نسبا مشهورا، بل الكل يقصيهم عن الشرف وينفيهم عن النسب إلا من دخل معهم في كفرهم وضلالتهم فإنه يشهد لهم بالزور ويساعدهم في جميع الأمور. وقد زعموا أنهم ولد محمد إسماعيل بن جعفر الصادق وحاشى لله ما كان لمحمد إسماعيل من ولد ولا عرف ذلك من الناس أحد بل هم ﴿كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾.
الدليل على ذلك وعلى بطلان ما ذكروه أنهم يقولون معد المستنصر بن الظاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي وهو عبيد بن ميمون، ثم يقولون ابن الأئمة المستورين من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق فإذا سألهم سائل عن هؤلاء المستورين حادوا عن الجواب وكان للسائل لهم الارتياب.
1 / 36
وقالوا هم أئمة قُهروا فتستروا ولم يؤمروا بإظهارهم ولا ذكرهم لأحد. وهذا من أعظم الشواهد على بطلان ما ذكروه وانتسبوا إليه.
والدليل على أنهم من أولاد اليهود استعمالهم اليهود في الوزارة والرياسة وتفويضهم إليهم تدبير السياسة؛ ما زالوا يحكِّمون اليهود في دماء المسلمين وأموالهم. وذلك مشهور عنهم يشهد بذلك كل أحد.
باب خروج ميمون القداح من سلمية إلى الكوفة
وقد ولد له عبيد وهو الذي يسمونه عبيد الله المهدي فأقاما بالكوفة مدة طويلة حتى تهيأ لهما ما كانا يطلبان وإلى أن أجابهما إلى ذلك تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون منهم علي بن فضل الجدني اليماني، وأبو القاسم بن زاذان الكوفي المسمى المنصور عند كونه باليمن في مسور وأبو سعيد الجنابي صاحب الأحساء والبحرين وأبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة في
1 / 37
المغرب والحسن بن مهران المسمى بالمقنع الخارج فيما وراء النهر من خرسان ومحمد بن زكريا الخارج في الكوفة. ولا بد أن أذكر أصح خبر كل منهم مختصرا إن شاء الله تعالى.
باب في ذكر أبي سعيد الجنابي لعنه الله
كان فيلسوفا ملعونا ملك البحرين واليمامة والأحساء وادعى فيها أنه المهدي القائم بدين الله فاستفتح ودخل مكة وقتل الناس في المسجد الحرام ومنع الناس من الحج واقتلع الركن وراح به إلى الأحساء وقال في ذلك شعرا:
ولو كان هذا البيت لله ربنا ... لصب علينا النار من فوقنا صبا
لأنا حججنا حجة جاهلية ... مجللة لم نبق شرقا ولا غربا
1 / 38
وإنا تركنا بين زمزم والصفا ... جنائز لا تبغي سوى ربها ربا
وله لعنه الله أشعار في ذلك تركتها اختصارا. وكان دخوله مكة سنة سبع عشرة وثلاثمائة وقتل فيها ثلاث عشر ألفا، عليه لعنة الله.
باب ذكر الحسن بن مهران المعروف بالمقنع
خرج فيما وراء النهر وله أخبار شنيعة. وكان حكيما فيلسوفا ملعونا. ذكروا أنه عمل قمرا بالطلسم يطلع في السنة أربعين ليلة ولقد كنت أكذب ذلك حتى صححه لي جماعة من أهل خراسان وذكروا أنه بنى حصنا وعمل فيه لوالب فكان المسلمون إذا أتوا لقتاله قذفوا بالحجارة ولا يدرون من أين يقذفون فمال إليه خلق كثير حتى بعث الله عليهم بغلام حكيم فأمر المسلمين أن يحفروا حول الحصن فوقعوا على اللوالب فأخرجوها ودخلوا عليه فقتلوه. وقيل إنه أحرق نفسه قبل دخولهم عليه فأمكن الله ﷾ منه.
باب ذكر محمد بن زكريا لعنه الله
أحسب أن اسمه زكرويه بن مهرويه القرمطي. وكان قد خرج بالكوفة فخرج إليه المكتفي أمير المؤمنين من بني العباس فقتله، لعنه
1 / 39