بسم الله الرحمن الرحيم
صفحه ۱۵
الحمد لله الذي له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه المآب، رافع من أسند أمره إليه بصحيح النية إلى المقام العالي الجناب، وواصل من انقطع لبابه وتعلق قوي أسبابه بأحسن نوال وأجزل ثواب، أحمده على ما خول من نعمة رفدها مديد المبار، وأشكره على ما حول من نقمة وفدها شديد المضار، وأستهديه فهو منقذ من استهداه من ضلاله، وأستغفره من التقصير في شكر إنعامه وإفضاله، وأستعينه مستكينا، وقد فاز من خضع لعظمته وجلاله، وذل لعزته وكماله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مساعد، ولا ضد ولا معاند، ولا ظهير ولا معاضد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله إمام المتقين وسيد الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، صلاة تنتظم جواهرها في عيون التحف المعظمة، وتلتئم مفاخرها في متون الصحف المكرمة، ورضي الله عن الأئمة الأربعة الأعلام أركان الإسلام وهداة الأنام، وعن حملة الآثار النبوية، أولي الحفظ والإتقان، والرحلة إلى أقاصي البلدان في ضبط هذا الشأن، وعن شيخنا شيخ الإسلام حامل راية الاجتهاد في جميع العلوم، ومفخر أهل المدر والوبر على مجاوري الشهب والنجوم، تغمده الله برحمة تكون لأبواب الجنان له فاتحة، وجعل سحائب الرضوان على لحده غادية بنفحة طيبة ورائحة، وعن خليفته الذي نص عليه وارتضاه لمرتبته العلية سيدنا شيخ الإسلام قاضي القضاة بالممالك الإسلامية، وعن السادة الحاضرين رؤوس الرياسة ونفوس النفاسة وأعيان الأعيان، ورحم الله مؤسس هذا الإحسان المشيد الأركان، العظيم النفع لكل قاص ودان، ونصر الله بالملك الناصر جيوش الإسلام والعساكر على كل معاند وفاخر، ورد عنهم كيد كل منافق وكافر ما ائتلف الفرقدان واختلف الجديدان.
صفحه ۱۶
أما بعد:
فإن الحديث النبوي المرفوع الرتبة تحته علوم الدين مدرجة وإن
اختلف منها الموضوع، وبقاء سلسلة الإسناد شرف اختصت به هذه الأمة وهو على توالي الليالي غير مقطوع، وقد ورد في شرف أصحاب الحديث ومآثرهم ومناقبهم ومفاخرهم آيات عيونها نواظر، وآثار رياضها نواضر، فهي أشهر من أن تذكر ، وأوضح أن تشرح، ومن أعظمها منا، وأيمنها يمنا:
ما أخبرني الشيخ المسند المعدل أبو العباس أحمد بن الحسن بن محمد ابن محمد بن زكريا الزينبي بقراءتي عليه، قال: أنا أبو العباس أحمد بن علي ابن أيوب العلامي، قال: أنا أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي بن نصر ابن صدقة الحراني، قال: أنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط الهمداني ثم البغدادي، قال: أنا أبو العز أحمد بن عبيد الله العكبري، قال: أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي، قال: أنا أبو عبد الله محمد ابن بكران بن عمران الرازي، قال: نا أبو عبد الله محمد بن مخلد بن حفص الدوري، قال: نا أبو بكر أحمد بن منصور بن سيار هو الرمادي، قال: ثنا محمد ابن خالد ابن عثمة، قال: ثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة، قال: حدثني عبد الله بن كيسان مولى طلحة، قال: حدثني عبد الله بن شداد هو ابن الهاد، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)).
صفحه ۱۷
ورواه خالد بن مخلد، عن موسى بن يعقوب فزاد فيه رجلا.
أخبرناه الإمام العلامة المسند أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد ابن عبد الواحد التنوخي قراءة عليه، قال: أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب ابن نعمة الصالحي، عن عبد اللطيف بن محمد بن التعاويذي: أن عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف أخبره قال: أنا أبو القاسم هادي بن إسماعيل الحسيني، قال: أنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الخياط، قال: أنا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي، قال: نا ابن الصواف يعني محمد بن أحمد بن علي، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة.
صفحه ۱۸
ح وقرأته أعلى من هذه الرواية بدرجتين، ومن التي قبلها بدرجة على أم الحسن بنت المنجا بدمشق، عن سليمان بن حمزة الحاكم: أن محمد بن عماد كتب إليهم عن هبة الله بن الحسين الحاسب، قال: أنا أبو الحسين أحمد بن محمد ابن النقور، أنا أبو القاسم عيسى بن علي بن داود بن الجراح، قال: قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز وأنا أسمع، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي، ثنا عبد الله بن كيسان، أخبرني عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله.
رواه الحافظ أبو أحمد بن عدي في الكامل، عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز كما أوردناه، فوافقناه فيه بعلو درجتين على طريقه أيضا.
وهكذا رواه الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل في كتاب ((فضل الصلاة)) له، وأبو بشر إسماعيل بن عبد الله الأصبهاني المعروف بسمويه الحافظ في ((فوائده))، وأبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، وأبو عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي، والحسن بن سفيان في ((مسانيدهم)) وعبيد بن غنام الكوفي ومحمد بن وضاح الأندلسي كلهم عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الكوفي الحافظ به.
صفحه ۱۹
وهكذا رواه يحيى بن معين وعثمان بن أبي شيبة وأبو كريب محمد بن العلاء وأبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني وأحمد بن مهران الأصبهاني وعمرو بن معمر العمركي، وعباس بن محمد الدوري، وعلي بن داود القنطري، كلهم عن خالد بن مخلد.
أما طريق ابن أبي عاصم؛ فقرأت على عبد الله بن عمر بن علي، عن
زينب بنت الكمال، عن يوسف بن خليل الحافظ: أن محمد بن إسماعيل الطرسوسي أخبرهم: أنا محمود بن إسماعيل الصيرفي، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك القباب، ثنا ابن أبي عاصم، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، فذكر مثله.
وأما طريق سمويه؛ فأنبئت عمن سمع الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد
الواحد المقدسي يقول: أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا سمويه، ثنا عبد الله بن أبي شيبة به.
وأما طريق أبي يعلى؛ فقرئ على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي
صفحه ۲۰
وأنا أسمع، عن محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء: أن محمد بن إسماعيل الخطيب، أخبرهم عن فاطمة بنت سعد الخير سماعا، أن زاهر بن طاهر أخبرهم: أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده، وزاد في أوله: ((ألا إن أولى الناس .. .. )) والباقي مثله.
وأما طريق بقي بن مخلد؛ فأنبأنا أبو حيان محمد بن حيان بن
العلامة أبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي مشافهة غير مرة، عن جده، عن أبي علي ابن أبي الأحوص، قال: أنبأنا الحافظ أبي بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الرحمن بن خلفون الأزدي، قال: أنا الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد الفهري، أنا أبو محمد بن عتاب، أنا الحافظ أبو عمر يوسف بن محمد بن عبد البر، أنا محمد بن عبد الملك بن صفوان، أنا عبد الله بن يونس القبري، ثنا بقي بن مخلد، نا أبو بكر بن أبي شيبة به.
صفحه ۲۱
وأما طريق الحسن بن سفيان؛ فقرأت على العلامة أبي إسحاق إبراهيم ابن أحمد ابن الحريري، عن أبي عبد الله بن الزراد: أن الحافظ الحسن بن أبي الفتوح البكري أخبرهم: أنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، أنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني، أنا أبو الحسن علي بن محمد البحاثي، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزوزني، ثنا أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي في ((صحيحه)) قال: أنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة به .
قال ابن حبان: ((في هذا الخبر بيان جلي بأن أقرب الناس من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أصحاب الحديث؛ إذ ليس من الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم)).
وأما طريق عبيد بن غنام؛ فقرأت على عبد الله بن عمر بن علي،
أخبركم غلبك بن عبد الله: أن عبد اللطيف بن الصيقل أخبرهم: أنا ضياء بن أبي القاسم، أنا أبو بكر بن عبد الباقي القاضي، أنا أبو بكر بن ثابت الحافظ، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ثنا أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحي، ثنا عبيد بن غنام بن حفص بن غياث، نا أبو بكر بن أبي شيبة به.
صفحه ۲۲
قال أبو نعيم: ((هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها؛ لأنا لا نعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما نعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا)).
وأما طريق محمد بن وضاح؛ فأنبأنا عبد الله بن محمد بن محمد بن
سليمان شفاها، عن يحيى بن محمد بن سعد في آخرين، قالوا: أنا جعفر بن علي إذنا، قال: كتب إلينا أبو القاسم خلف بن بشكوال الحافظ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، ثنا أبي، أنا خالد بن يحيى، أنا عبد الله بن محمد ابن أبي العطاف، نا محمد بن وضاح، نا أبو بكر بن أبي شيبة به.
وأما طريق يحيى بن معين؛ فأخبرنا أبو المعالي السعودي قراءة
صفحه ۲۳
عليه، أنا أبو محمد بن عبد الله القاهري، أنا أبو الفرج الشيباني، أنا أبو علي بن الخريف، أنا أبو بكر بن أبي طاهر، أنا أحمد بن علي البغدادي، أنا طلحة بن علي ابن الصقر، أنا محمد بن عبد الله الشافعي، نا محمد بن عبد الله بن مربع، ثنا يحيى بن معين، ثنا خالد بن مخلد به.
وأما طريق عثمان بن أبي شيبة، فأنبئت عن الحافظ أبي الحجاج
المزي: أن إبراهيم بن إسماعيل أخبره، أنا محمد بن أحمد بن نصر، عن فاطمة الجوزدانية سماعا، أنا محمد بن عبد الله بن ريذة، ثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب، نا الحسين بن إسحاق التستري، نا عثمان بن أبي شيبة، نا خالد بن مخلد به.
وأما طريق أبي كريب؛ فقرأت على مريم بنت أحمد الأسدية، أخبركم
يونس بن أبي إسحاق، عن حرمي بن عبد الغني: أن عشير بن علي أخبرهم، أنا أبو صادق المديني، أنا أبو الحسن بن الطفال، نا أبو طاهر الذهلي، نا موسى بن هارون بن عبد الله الحمال، نا أبو كريب، نا خالد بن مخلد به.
وأما طريق الصغاني، فأنبأنا أبو اليسر أحمد بن عبد الله بن محمد
صفحه ۲۴
بن محمد الأنصاري شفاها بدمشق، أن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العبادي أخبرهم، أنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر، أنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي، أنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأكفاني، أنا أبو بكر ابن مهدي بدمشق، أنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر، نا حمزة بن القاسم إملاء، نا محمد بن إسحاق الصاغاني، نا خالد بن مخلد به. لكن لم يقل في المتن ((يوم القيامة)).
وأما طريق أحمد بن مهران، فأنبئت عمن سمع الحافظ يوسف بن خليل
يقول: أنا أبو عبد الله محمد بن أبي زيد الكراني، أنا إسحاق بن أحمد بن جعفر، نا أبو القاسم بن أبي بكر الذكواني، نا أبو الشيخ الأصبهاني، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الحافظ وأبو الشيخ لقبه، ثنا الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأرزاني، نا أحمد بن مهران، نا خالد بن مخلد به.
قال أبو جعفر: ((فيه دليل على تفضيل أصحاب الحديث، فإنا لا نعلم أحدا أكثر صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منهم)).
صفحه ۲۵
وأما طريق العمركي، فأنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الصائغ
مشافهة، عن القاسم بن مظفر بن عساكر، عن علي بن الحسين بن علي بن منصور، أنا أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري في كتابه، أنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الجرجاني، نا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، ثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، ثنا الحسين بن إسماعيل هو المحاملي، ثنا عمرو بن معمر العمركي، نا خالد بن مخلد به.
وأما حديث عباس الدوري؛ فقرأت على عبد الله بن عمر، أخبركم غلبك
بن عبد الله، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا أبو علي بن أبي القاسم، أنا محمد بن عبد الباقي الفرضي، أنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، أبنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب هو الأصم، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا خالد بن مخلد به.
وأما طريق القنطري؛ فقرأت على عبد الله بن عمر بن علي، عن عائشة
صفحه ۲۶
بنت علي سماعا، أن المعين أحمد بن علي أخبرهم، أنا أبو القاسم هبة الله بن علي، أنا أبو القاسم علي بن الحسين الفراء، أنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل أنا أبي، أنا أحمد بن مروان، نا علي بن داود القنطري، نا خالد بن مخلد به. وقال: ((إن أولى))، ولم يقل: ((يوم القيامة)).
صفحه ۲۷
الكلام على هذا الحديث من أوجه:
الأول في التعريف بحال من انفرد بهذا الحديث من رجال السند
الأول على سبيل الاختصار:
فصحابيه أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل من بني سعد بن هذيل بن مدركة، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدركة، أسلم قديما قيل سادس سنة، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وولي الكوفة لعمر وقطنها، ثم تحول إلى المدينة ومات بها على الصحيح سنة اثنتين وثلاثين، وقيل ثلاث وثلاثين، وهو أحد الفقهاء الستة من أكابر الصحابة، روى عنه جماعة من أكابر الصحابة، منهم أبو موسى الأشعري وأبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم والعبادلة وآخرون، ومناقبه وفضائله كثيرة جدا، له في ((الصحيحين)) مائة وعشرون حديثا، اتفقا منها على أربعة وستين، وتفرد البخاري بأحد وعشرين ومسلم بالباقي.
والراوي في طريق خالد بن مخلد: شداد بن الهاد ، واسم الهاد أسامة بن عمرو من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي بن كنانة، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنانة، له صحبة ورواية، يقال إنه مات في عهد عمر، أخرج له النسائي ثلاثة أحاديث.
صفحه ۲۸
وابنه عبد الله ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل عنه، وسمع من عمر بن الخطاب وعلي وطلحة والعباس بن عبد المطلب وغيرهم، وسلمى بنت عميس أخت أم الفضل بنت الحارث زوج العباس، وميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمهما، روى عنه ربعي بن حراش وهو من أقرانه، ومحمد بن كعب القرظي، وطاوس بن كيسان وجماعة.
قال العجلي: ((هو من كبار التابعين وثقاتهم))، ووثقه النسائي وابن سعد وابن حبان، وكان ممن خرج على الحجاج مع القراء فغرق هو وعبد الرحمن بن أبي ليلى بدجيل سنة اثنتين وثمانين، روى له الجماعة.
وعبد الله بن كيسان مولى طلحة بن عبد الله بن عوف بن عبد غوث الزهري، شيخ من طبقة الأعمش، لا نعرف له إلا هذا الحديث الواحد، ولا روى عنه إلا موسى بن يعقوب الزمعي، وذكره البخاري في ((تاريخه)) فلم يذكر فيه جرحا وذلك رسمه في المستورين، وذكره ابن أبي حاتم عن أبيه، ولم ينص على كونه مجهولا، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) على قاعدته فيمن روى عنه ثقة ولم يجرح، ولا جاء بمتن منكر، روى له الترمذي وحده.
صفحه ۲۹
وموسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن عبد مناف أبو محمد القرشي الأسدي المدني، من طبقة مالك، وجده وهب أخو سودة أم المؤمنين، روى عن جماعة من أهل المدينة، وعنه ابن أبي فديك، ومعن بن عيسى وغير واحد، وحدث عنه عبد الرحمن بن مهدي، وذلك تعديل منه له؛ إذ من قاعدته أن لا يحدث إلا عن ثقة عنده، وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: ((موسى بن يعقوب ثقة))، وقال الآجري عن أبي داود: ((صالح))، وقال ابن عدي: ((لا بأس به))، وذكره ابن حبان في ((الثقات))، وأخرج له البخاري في كتاب ((الأدب المفرد)) وأصحاب السنن الأربعة، وقال النسائي: ((ليس بالقوي))، وقال ابن سعد: ((مات في آخر خلافة أبي جعفر المنصور)) يعني سنة ست وخمسين ومائة.
صفحه ۳۰
ومحمد بن خالد بن عثمة، وعثمة أم محمد، فلذا يقال له محمد بن عثمة أيضا، بصري من طبقة أبي داود الطيالسي، روى عن مالك وسليمان بن بلال وجماعة، روى عنه علي بن المديني وعمرو بن علي الفلاس وجماعة، قال أحمد وأبو زرعة: ((لا بأس به))، وقال أبو حاتم: ((صالح الحديث))، مات بعد المائتين، روى له أصحاب السنن الأربعة.
ورفيقه في رواية هذا الحديث عن الزمعي: خالد بن مخلد البجلي، كوفي روى عن علي بن صالح [بن] حي، ونافع بن أبي نعيم القارئ، وعبد الله بن عمر العمري وغيرهم، روى عنه البخاري وهو من كبار شيوخه، وروى هو والباقون له بواسطة، لكن أبو داود في غير ((السنن))، وثقه العجلي وابن معين وعثمان بن أبي شيبة، وتكلم فيه بسبب التشيع، مات سنة ثمان عشرة ومائتين.
هذا الذي تمس الحاجة إلى معرفته من رجال هذا الإسناد لانفرادهم بروايته على ما أوضحناه، وأما من بعدهم فقد اشتهر الحديث عنهم واستفاض فنحتاج من تعرف بأحوال جمعيهم إلى زمن طويل.
الوجه الثاني في الحكم عليه:
صفحه ۳۱
وقد رواه البخاري في ((تاريخه الكبير))، وأبو بكر بن أبي عاصم في ((فضل الصلاة)) له كلهم عن أبي موسى محمد بن المثنى العنزي، ورواه أبو يعلى الموصلي في ((مسنده)) عن محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة.
ورواه الترمذي في ((جامعه)) عن أبي بكر محمد بن بشار بندار العبدي، كلاهما عن محمد بن عثمة به؛ وقال الترمذي: ((حسن غريب)).
وقال الدارقطني في ((الأفراد)): ((تفرد به الزمعي عن عبد الله بن كيسان)).
وأخرجه ابن حبان في ((صحيحة)) من طريق خالد بن مخلد كما تقدم.
ولا يقال لم لم يحكم الترمذي بصحته كما صنع ابن حبان؛ لأنا نقول: المعروف من حال ابن حبان أنه لا يفرق بين قسمي الصحيح والحسن، بل هما عنده قسم واحد؛ لصلاحية كل منهما للاحتجاج به، ولأن إفراد الحسن من الصحيح يقتضي تقسيم الصحيح إلى أقسام كثيرة؛ لتفاوت مراتبه، فأما الترمذي فحاله في التفرقة بين الحسن والصحيح معروف.
صفحه ۳۲
وقد يقال: إن الحكم على هذا الحديث بالصحة أو بالحسن محل نظر؛ لأن موسى بن يعقوب تقدم أنه عدل وجرح، والجرح مقدم على التعديل، فالجواب أن الجرح بعد ثبوت العدالة لا يقبل إلا مبين السبب؛ لاحتمال أن يكون إذا بين غير قادح في عدالة الراوي، وكلام من أطلق قبول الجرح من غير بيان سببه محمول على ما إذا لم يعارضه توثيق، وإذا كان كذلك فقد أثبت عدالة الزمعي أعرف الناس به عبد الرحمن بن مهدي، وكذا قدوة أهل الحديث في معرفة أحوال الرواة يحيى بن معين، فلا يعدل عن هذا التعديل إلا بجرح بين، وعلى هذا عمل أئمة الحديث كصاحبي الصحيح، فقد احتجا في صحيحيهما بجماعة تكلم فيهم غيرهما، وحالهم في الغالب محمول على ما قررناه.
وقد يعل إسناد هذا الحديث بالاضطراب؛ لأن خالد بن مخلد زاد فيه رجلا.
ورواه عباس بن أبي شملة، عن الزمعي فقال: عن ابن كيسان، عن عبد الله بن عتبة، أو عتبة بن عبد الله، عن ابن مسعود، ذكر ذلك البخاري في ((تاريخه)).
صفحه ۳۳
ورواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) من طريق أبي القاسم بن أبي الزناد عن الزمعي فقال: عن ابن كيسان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن ابن عتبة، عن ابن مسعود.
صفحه ۳۴