الجزء فيه من أخبار ابن أبي ذئب رحمه الله
جمع أبي سليمان محمد بن عبد الله بن زبر الحافظ.
رواية الحافظ أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري عنه.
رواية الحافظ أبي محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني عنه.
رواية الحافظ أبي محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني عنه.
رواية الشيخ أبي طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي عنه إجازة سماع إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن ابن الأنماطي نفعه الله به
إجازة لمحمد بن جامع بن باقي بن عبد الله بن علي التميمي نفعه الله الكريم به آمين رب العالمين.
صفحه ۴۷
وقف مؤبد مستقره بالمدرسة الضيائية بسفح قاسيون
سمع جميع هذا الجزء على الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الرحمن بن سلامة المقدسي السراج بسماعه فيه نقلا من ابن الخشوعي عن أبيه بقراءة كاتب السماع عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي ابنه أحمد، والمحدث بدر الدين محمد بن رافع بن هجرس الصميدي، وبدر الدين الحسن بن علي بن محمد البغدادي، والحاج محمد بن عثمان ابن الوراق وابنه أحمد، وأبو بكر بن علي بن أحمد المؤذن بالربوة، وإبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي.
وصح يوم الاثنين تاسع رجب سنة أربع وعشرين وسبعمائة بجامع الخبزداحار.
صفحه ۴۸
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله
أخبرنا الشيخ الأمين الأصيل مسند الشام أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات القرشي الخشوعي -رضي الله عنه- قراءة عليه ونحن نسمع في شهر رمضان المعظم من سنة ست وتسعين وخمسمائة بدمشق أن الشيخ الأمين أبا محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأكفاني العدل الأنصاري أجاز لهم -إن لم يكن سمعه منه- قال: أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي التميمي الكتاني الحافظ، قال: أنا أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر المري الحافظ قال: أنا أبو سليمان محمد بن عبد الله بن زبر الحافظ -رحمه الله- قال:
اسم ابن أبي ذئب: هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن [نصر] بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، فقيه أهل
صفحه ۴۹
المدينة وزاهدهم -يعني- محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن هشام.
وأمه: بريهة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب.
وخاله: الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وهو يروي عنه، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أشخصه المهدي إلى بغداد،
صفحه ۵۰
ثم انصرف من بغداد فمات بالكوفة رحمه الله.
وسمعت أبا القاسم ابن بنت منيع ببغداد يقول: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله- يقول: كان ابن أبي ذئب رجلا صالحا قوالا بالحق، وكان يشبه بسعيد بن المسيب، وكان قليل الحديث.
قال أبو سليمان: ولد ابن أبي ذئب في المحرم من سنة إحدى وثمانين، ومات بالكوفة ودفن بها سنة تسع وخمسين ومائة.
صفحه ۵۱
حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثني هارون بن سفيان قال: قال [أبو نعيم] : حججت سنة حج أبو جعفر وأنا ابن إحدى وعشرين سنة، ومعه ابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، فدعا ابن أبي ذئب فأقعده معه على دار الندوة عند غروب الشمس، فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد بن الحسن بن فاطمة؟
قال: أما إنه يتحرى العدل.
قال: فما تقول في مرتين أو ثلاثا؟
قال: ورب هذه البنية إنك لجائر.
قال: فأخذ الربيع بلحيته.
صفحه ۵۲
فقال أبو جعفر: كف يا ابن اللخناء، وأمر له بثلاثمائة دينار.
أخبرنا أبي، نا أحمد بن محمد بن الحجاج قال: سمعت أبا جعفر الخراساني محمد بن هارون يقول: حدثني أحمد بن صالح، نا ابن أبي فديك قال: سمعت ابن أبي ذئب يحدث سفيان الثوري، قال لأبي جعفر: أنا لك خير من ابنك المهدي.
فقال له سفيان: سبحان الله وحل لك أن تقول: المهدي.
فقال ابن أبي ذئب: سبحان الله، كلنا مهدي هدانا الله عز وجل.
صفحه ۵۳
أخبرنا أبي، نا أبو الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله بن حنبل يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند السلطان فيسكت مالك ويتكلم ابن أبي ذئب، ولقد دخل على أبي جعفر فصدقه فأمر له بشيء فلم يقبله.
أخبرنا أبي قال: نا أحمد بن سعد الزهري قال: سمعت أحمد بن صالح يقول: ابن أبي ذئب أكبر من مالك بثلاث عشرة سنة، ابن أبي ذئب ولد سنة ثمانين.
أخبرنا أبي قال: نا عبد الله بن مسلم المصري، عن داود بن أبي العباس، عن أبيه، عن جده قال: بعث بي المنصور إلى ابن أبي ذئب أسأله عن مسألة فقال: ما هي؟
فذكرتها له.
فقال: لا يراني الله عز وجل أفتي جبارا مثله في مسألة فيها ضرر على المسلمين.
قال: فرجعت إلى المنصور مغضبا، فعرف في وجهي.
فقال: لقد جئت بغير الوجه الذي ذهبت به.
فقلت: تبعث بي إلى مجنون! وأخبرته.
فقال المنصور: الذي لقيت أنا منه العام في الطواف أشد من هذا. كنت
صفحه ۵۴
في شوق إلى أن أراه، فبينا أنا أطوف إذ قال لي المسيب: أليس كنت تسأل عن ابن أبي ذئب؟
فقلت: بلى، فقال: هو ذا، هو يطوف، فأتيته.
فقلت: السلام عليكم ورحمة الله، وناولته يدي، فبرق عينيه في وجهي وقال: من أنت؟ فلقد أخذت يدي أخذ جبار.
قلت: أو ما تعرفني؟
قال: لا.
قلت: أنا أبو جعفر المنصور.
قال: فجذب يده من يدي وقال: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} .
قال: قلت: يا أمير المؤمنين، ما صنعت به؟
قال: ما عسيت أن أفعل برجل الله في قلبه عظيم.
أخبرنا أبي، أخبرني عبد الله بن مسلم، عن أحمد بن يحيى عن محمد بن إدريس الشافعي قال: قدم أبو جعفر المنصور المدينة حاجا فأتته الوفود من كل بلد يشكون إليه الأمراء، فأتاه أهل اليمن يشكون معن بن زائدة، وأتاه بنو أبي عمرو الغفاري من أهل المدينة يشكون أميرهم الحسن بن زيد، فقال وفد اليمن لأبي جعفر
صفحه ۵۵
المنصور، وقد أحضر ابن أبي ذئب والعلماء فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن معن بن زائدة قد تعدى علينا وأساء فينا السيرة، وقد رضينا بابن أبي ذئب فقال له أبو جعفر: ما تقول في معن بن زائدة؟
قال: قولي فيه وعلمي به أنه عدو الله، يقتل المسلمين بغير حق والمعاهدين، ويحكم بغير ما أنزل ويفسد العباد والبلاد.
قال: ثم تقدم الغفاريون يشكون الحسن بن زيد وسيرته فيهم وقالوا: قد رضينا بابن أبي ذئب. فأطبق عليه ابن أبي ذئب وذكره بسوء.
فقال الحسن بن زيد: يا أمير المؤمنين، ذكرني بما قد ذكر فإن رأى أمير المؤمنين أن يسأله عن حال [أمير المؤمنين] عنده؟
فقال أبو جعفر: ما تقول في يا ابن أبي ذئب؟
فقال: اعفني.
قال: قد عزمت عليك.
قال: اعفني.
قال: لست أفعل.
قال: فبكى ابن أبي ذئب، ثم قال: تسألني عن نفسك، أنت أعلم بنفسك مني، وما عسى أن أقول فيك مما فيك، أنت والله الرجل الذي أمرر على المسلمين أمرهم، ظلمتهم، واعتديت عليهم، وسفكت الدماء الحرام، وأخذت الأموال من غير حلها ووضعتها في غير حقها، وأهلكت المسلمين، والفقراء، واليتامى، والمساكين.
قال محمد بن إبراهيم: وبين يدي أبي جعفر عمود فجمع الناس
صفحه ۵۶
عليهم ثيابهم مخافة أن يتلطخ عليهم من دمه ودماغه، فلم يهجه بشيء وانصرف الناس، فقال عم لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين، إن هذا مجلس قد حضره أهل الآفاق وينصرفون إلى البلاد فيخبرون بما كان إلى أمير المؤمنين من الجرأة، فلو قتلت هذا الكلب لئلا يجترئ عليك غيره من الناس.
فقال له أبو جعفر: ويحك، هذا رجل قد بلغت منه صعوبة العبادة، وقد سمع الحديث: ((إن أفضل الجهاد كلمة عدل قالها عند سلطان جائر يقتل عليها)) ، فطمع أني أقتله أفيراني أقتله وأريحه مما هو فيه من صعوبة العبادة؟ ولا والله ما أهيجه أبدا حتى يموت أو أموت.
أخبرنا أبي، قال: ذكر عبد الجبار بن سعيد المساحقي، عن أبيه، عن محمد بن إبراهيم الإمام قال: حضرت أبا جعفر المنصور بالمدينة وعنده ابن أبي ذئب فقال له أبو جعفر المنصور: يا ابن أبي ذئب، أخبرني بحالات الناس .
فقال: يا أمير المؤمنين، هلك الناس، وضاعت أمورهم، فلو اتقيت الله فيهم، وقسمت فيئهم فيهم.
فقال: ويل لك يا ابن أبي ذئب، لولا ما بعثنا بذلك الفيء من البعوث وسددنا به من الثغور لأتيت في منزلك وأخذت بعنقك وذبحت كما يذبح الجمل.
صفحه ۵۷
فقال ابن أبي ذئب: يا أمير المؤمنين، قد بعث البعوث وسد الثغور وقسم فيئهم فيهم غيرك.
قال: ويلك، ومن ذاك؟
قال: عمر بن الخطاب، فأطرق أبو جعفر إطراقة ثم رفع رأسه فقال: إن عمر بن الخطاب -رحمه الله- عمل لزمان وعملنا لغيره.
فقال: يا أمير المؤمنين إن الحق لا تنقله الأزمان عن مواضعه ولا تغيره عن وجهه.
قال: أحسبك يا ابن أبي ذئب طعانا على السلطان.
قال: لا تقل ذاك يا أمير المؤمنين، فوالذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه لصلاحك أحب إلي من صلاح نفسي؛ وذاك أن صلاحي لنفسي لا يعدوها، وصلاحك لجميع المسلمين.
قال: فأطرق أبو جعفر وإن المسيب والحرس قيام على رأس أبي جعفر بأيديهم السيوف المسللة.
قال: ثم رفع رأسه وقال: من أراد أن ينظر إلى خير أهل الأرض اليوم فلينظر إلى هذا الرجل وأومأ إلى ابن أبي ذئب.
قال: فقلت في نفسي أشهد أن الله ولي الذين آمنوا وهو منجي المتقين.
آخر الجزء، والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وآله.
كتبه ابن الأنماطي لنفسه بدمشق في شهر [] .
صفحه ۵۸