ليس هكذا تخيل الحب، ولكن ما يحس به ناحية فوزية ليس عبث أطفال أيضا ولا هو وهم، إنها أحاسيس حقيقية تجرفه وتغرقه وتأخذ عليه كل مسالك تفكيره، فلا يملك أمامها إرادة ولا روية ولا عقل، هذه حقيقة علمية أخرى، وهو رجل يؤمن بالعلم.
ولكنها حقيقة ناقصة؛ إذ إنها لا يمكن أن تكمل أبدا، ولا يمكن لهذه الأحاسيس أن تتجسد وتصبح حقا إلا إذا كانت هناك أحاسيس أخرى تقابلها عند فوزية.
فهل هناك أحاسيس مثل تلك؟
وهل تحس فوزية ناحيته مثلما أو نصفما أو ربعما يحس به ناحيتها؟
هل؟
كان السؤال بسيطا، حتى حرف الاستفهام فيه صغير وساذج، ولكن الإجابة عليه تحتاج من حمزة ربما إلى مجلدات فكرية ومراجع ذهنية ضخمة؛ إذ لم يكن هناك جواب واحد شاف، لم تكن هناك علامة واحدة أكيدة تنفي أو تؤيد، كل ما يستطيع أن يفعله هو أن يراجع لحظة فلحظة وحركة فحركة ومرة فمرة، كل ما دار بينهما وكل ما بدر من فوزية ناحيته، نظراتها: دائما فيها بريق، ودائما عيناها لا تطرفان ولا يتطرق إليهما خجل، نظرات دوغري، لا تخفي شيئا ولا تعني غير ما ظهر منها.
كلامها واضح وصريح: فيه الحماس البالغ، فيه الثقة، وليس فيه أي شيء آخر.
سلامها: دائما له نفس قوته، ودائما أصابعها تضغط نفس الضغطة وبنفس القوة، لم تمكث يدها في يده أكثر من اللازم مرة، ولم تتراخ قبضتها أو تلين مرة، ولم يتدلل لها بنصر ولم يتشنج خنصر.
أو، أمن المعقول أنها كانت تعني شيئا آخر حين سألته عن عمله؟ ولماذا اهتمت بسؤاله؟ أكانت بهذا معجبة به؟ أممكن أن يحتمل السؤال واحدا على ألف من أي احتمال آخر؟ وحين نظرت إليه وخجل من نظرتها، ربما كان فيها شيء تلك النظرة، ولكن أي شيء هو؟ إعجاب؟ احترام؟ حب؟ استنكار؟
أممكن أن تكون البهجة التي تقابله بها؟ ولكنها منذ أن عرفها تقابله مبتهجة، وفي كل مرة نفس كمية البهجة لا تنقص ولا تزيد.
صفحه نامشخص