فرد حمزة: بتاع اللبن.
ثم التفت لفوزية وقال: إذا ماردتشي النمرة ابقي كل ما تفضي اضربيها. - حاجة تانية؟ - لأ. - طيب أنا جاية بعد الضهر عشان الحاجات الباقية، سلام. - سلام.
وفي حماس مضطرب سريع اختفت فوزية وأغلق حمزة الباب، وعاد على مهله إلى حجرة النوم ويداه خلف ظهره وزوبعة في عقله، حسن «أبو علي» كما كانوا يسمونه الذي كانت الأمور تتعقد أحيانا وتشتبك ويظل هو صامتا، ثم يتكلم آخر الأمر، يقول كلمة أو اثنتين، ولا يرفع صوته ولا يجادل كثيرا؛ فقد كان يعمل كثيرا لا بتهور واندفاع ولا ببطء وشك، وإنما باتزان وتؤدة واستمرار.
كان في الفترة الأخيرة متعطلا وقد فقد العمل، وكان ليل نهار في المعسكر يحرسه ويبنيه، وكانوا دائما في حاجة إلى كلمته الواحدة أو كلمتيه الاثنتين، والآن!
وقال له بدير: هو اللي جاب اللبن، إيه؟ واحدة ست واللا إيه؟ - أبدا، راجل. - أمال اتهيأ لي إني سمعت صوت نواعمي. - لازم كنت بتحلم. - يجوز.
قالها بدير وهو يرعد ويبرق ويموء ويتثاءب ويعود للنوم.
وجلس حمزة على حافة السرير يفكر في فوزية وكيف استيقظت لا بد في الرابعة صباحا لتأتيه في السادسة والنصف بعد جولتها الرهيبة.
ولم يفكر في هذا إلا هنيهة ثم دلف إلى المشكلة الكبرى «الأسمنت»، كان هو وحسن الوحيدين الذين يعرفان مكانه، وقد قبض على حسن وهو لا يشك أبدا في إخلاصه ولا يمكن أبدا أن يفقد الثقة فيه لحظة واحدة، ولكن الطبيعة البشرية لها حدود والاحتمال مهما طال لا بد أن ينتهي، ولا أحد يستطيع أن يخمن ما قد يحدث، فلا بد من نقل «الأسمنت» من مكانه اليوم، بل الآن! وكيف يكون هذا؟ تلك هي المشكلة.
واستمر حمزة يفكر حتى بعد أن استيقظ بدير وارتدى ملابسه وجلسا يتناولان الإفطار، وللمرة العاشرة أو أكثر راح بدير وهما على المائدة يتأسف ويشرح له نظريته: مش كده أحسن بذمتك؟ خدامين إيه؟ أولا كل الخدامين بلا استثناء حرامية، وثانيا بيكلفوا كتير، وثالثا تبص تلاقي الواحد منهم مشاركك في عيشتك، على إيه ده كله؟ غسيل؟ جبت غسالة بالكهربا، كنس؟ جبت برضه مكنسة، طبيخ؟ مالوش لزوم آكل في المطاعم أحسن، وإن هف على الواحدة حاجة يبقى يعملها بنفسه على الأقل يضمن نضافتها ويتسلى وبتبقى لذيذة جدا، مشفتش أنت المكنسة اللي بالكهربا؟ أصلي كسلت اليومين اللي فاتو، إنما دي حاجة مدهشة قوي، شوف.
وقام بدير من على المائدة وفي فمه بقية من طعام، وأحضر المكنسة ووضع «كبسها» في «الفيشة» وضغط على الزر ولكنها لم تعمل، فأصيب بالذعر وانحنى عليها يرى ما هنالك، ولما أتعبه الانحناء وجعله يتفصد عرقا جلس على الأرض ببدلته وأخذ يفحصها بعناية وبجرب.
صفحه نامشخص