تلاشهای مسرحی قبانی در مصر
جهود القباني المسرحية في مصر
ژانرها
ومن وجهة نظري أن هذا الطلب لم ينفذ، ولم يقم القباني بالتمثيل في دار الأوبرا في هذه المدة. والاحتمال الأكبر أن الوزارة وضعت العراقيل أمام تنفيذ هذا الطلب الجريء؛ لأن الخاصة الخديوية - أو الحكومة المصرية - ظلت تكافح طويلا في إبقاء دار الأوبرا قاصرة على العروض الأجنبية دون العربية. وما سمحت به للفرق العربية من عروض على خشبتها - في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين - لم يكن إلا بضعة حفلات في المناسبات الرسمية، أو عروض منتظمة تقدم من خلال الأجانب أصحاب امتياز حق استغلال الأوبرا.
130
وهناك تفسير منطقي آخر لعرقلة الحكومة طلب القباني عرض مسرحياته في الأوبرا، وهو أن هدف رسالته المسرحية لا يتفق مع وجود المستعمر الأجنبي المسيطر على الحكم والحكومة. فكيف يسمح هذا المستعمر - ممثلا في الحكومة - بعروض مسرحية تراثية عربية هدفها: العظة والعبرة والتعليم وإجلاء البصائر ورفع الهمم وبعث الحزم وتقدم الأمم ... إلخ أهداف رسالة القباني المسرحية.
ومما يقوي الرأي بعدم تمثيل القباني في الأوبرا الخديوية - في هذه المدة - أن الصحف لم تتحدث عن أخباره، أو عن عروض فرقته بصورة مستمرة كما هي العادة، واكتفت جريدة الأهرام بخبر واحد يوم 14 / 1 / 1885 قالت فيه: «مثل أمس فريق جناب الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة»، وقد أجاد كعادته، ولكن كان الحضور قليلين بسبب الأمطار، فالمرجو أن تزدحم أقدامهم في بقية ليالي التمثيل.» هذا الخبر لم تأت بغيره الجريدة إلا بخبر مماثل في أبريل 1885م، ثم بخبر ثالث في نوفمبر 1885م، وكأن القباني لا وجود له في مصر!
وإذا عدنا إلى الخبر المنشور - السابق - سنلاحظ أنه خبر عن عرض أقيم في الأقاليم، وليس في الأوبرا الخديوية! فالجريدة لم تشر إلى المسرح الممثل عليه العرض، ولم تذكر أي تعليق أو استحسان من قبل الجمهور، فجاء الخبر فاترا فاقدا لكل أهمية تليق بعرض يقام في الأوبرا الخديوية، وهذا الأمر غير مقبول منطقيا! فكيف تهتم الصحف بعروض الفرقة في مسرح البوليتياما وتسهب في الحديث عنها، وفي المقابل تتجاهل عروضها في الأوبرا الخديوية ولا تأتي بأخبارها التفصيلية؟!
وشتان بين خبر الجريدة السابق عن عرض فرقة القباني - المفترض أنه مقام في الأوبرا - وخبرها المنشور في العدد نفسه عن فرقة يوسف الخياط - التي ستمثل في مسرح البوليتياما وليس في الأوبرا - قائلة: «في مساء السبت القادم يمثل فريق جناب يوسف أفندي خياط بتياترو البوليتياما رواية «الظلوم» بناء على طلب الجمهور الذي ارتاح إلى حسن موضوعها وجمال مشاهدها. ولا يخفى أن هذه الرواية من خيرة الروايات موضوعا ومشاهدة. ومنذ يوم أمس أعلن الفريق عن اعتماده على تمثيلها، فتقدم الكثيرون إلى ابتياع الأوراق بين لوجات وكراس، والمرجو أن يزدحم الوفود في ليلة السبت القادم.»
ويلاحظ في خبر الجريدة عن القباني أنه أشار إلى ليال أخرى تالية، ولكن الجريدة أهملتها، ولم تتحدث عنها فيما بعد؛ وذلك لاحتمالين: الأول أنها عروض مقامة في الأقاليم، وهي عروض لا تهم القراء بقدر ما تهمهم أخبار عروض العاصمة والإسكندرية. والآخر أن القباني نفسه كان غير موجود ضمن فرقته في هذه المدة، وكانت الفرقة تعرض عروضها الإقليمية من أجل الحصول على نفقاتها، وهو الاحتمال الأرجح، وسيتكرر حدوثه مستقبلا كما سنرى.
والرأي بعدم تمثيل القباني في الأوبرا الخديوية - في هذه الفترة - يخالفنا فيه الدكتور محمد يوسف نجم، الذي أوضح أن القباني مثل 15 حفلة بالأوبرا في الفترة (من 9 إلى 29 يناير 1885م)، اشترك في عشر منها عبده الحمولي،
131
ووثق الدكتور معلوماته هذه - بعيدا عن مرجعه الأثير (جريدة الأهرام) - بقوله: «وقد تحققنا من ذلك في سجلات الأوبرا.»
صفحه نامشخص