تلاشهای مسرحی قبانی در مصر
جهود القباني المسرحية في مصر
ژانرها
ومن وجهة نظري أن الذي دفع القباني إلى ذلك هو إيمانه بهدفه المسرحي! فكيف يتأتى له إظهار النساء سافرات أمام الجمهور - عام 1884م - في مسرحية من أهدافها وعظ وإرشاد الجماهير؟! وإظهار المرأة سافرة - في هذا الوقت - مناف للتقاليد العربية والإسلامية - الواجب إظهارها بصورة مشرقة، تبعا لمبدأ حركة الإحياء - لا سيما وأن فرقة القباني كانت الفرقة المسرحية العربية الوحيدة التي تعرض المسرحيات في الإسكندرية.
هذه الإشكالية كانت العائق الأول أمام القباني في التزامه بمفردات رسالته المسرحية، ولكنه عالجها مستخدما مهارته المسرحية؛ حيث قلص الدور النسائي إلى دورين فقط، بينما بلغت أدوار الرجال أحد عشر دورا، مع الإصرار على عدم غناء الجارية «أنس الجليس» - مخالفا بذلك صورتها في حكاية الليالي - رغم أنها «قينة»، أي جارية عملها الأساسي هو الغناء؛ وذلك لإيمانه الشديد بهدف رسالته المسرحية وفق مفهومه لإحياء التراث وإظهاره بأفضل صورة ممكنة.
لم يبق من عرض القباني الأول في مصر سوى الفصل المضحك الذي اختتم به ليلته المسرحية الأولى في الإسكندرية، وهذا النوع الفني لم تتحدث عنه جريدة الأهرام ولم تحدده! فالفصل المضحك المعروف قبل قدوم القباني كان عبارة عن فن البنتومايم، أو فصل تمثيلي ضاحك قصير، والنوع الأول كان قاصرا على الفرق الأجنبية وسيرك مسيو رانسي بالأزبكية.
46
أما النوع الثاني فكانت تعرضه فرقة يوسف الخياط،
47
ولعله النوع الذي قدمه القباني؛ لأن فن البنتومايم لم يكن معروفا عربيا - في هذا الوقت - وعندما كانت الصحف تتحدث عنه - في عروض الفرق الأجنبية ، أو عروض سيرك مسيو رانسي - كانت لا تعرف له اسما أو مصطلحا، فتكتفي بوصفه قائلة: «... أناسا يتكلمون بالإشارة، وهي ألعاب مضحكة»، أو «ألعاب بالإشارة كأن اللاعبين خرس لا يتكلمون إلا بالإشارة»، أو «لعب تياترو يجري بالإشارات لا بالتكلم»، أو «فارصة مضحكة أتمها المشخصون بالإشارات الرشيقة العجيبة دون تكلم.»
48
وربما يظن القارئ أن قصيدتي «فتى العصر»، و«فتاة العصر» المنشورتين بعد نهاية نص مسرحية أنس الجليس
49 - المنشور في هذا الكتاب - هما من الفصول المضحكة التي قدمها القباني في عروضه المسرحية الأولى بالإسكندرية، أو أنهما من نظم القباني. ذا الظن غير مقبول الاحتمال؛ لأن القصيدتين عبارة عن مونولوجين تشيع فيهما العبارات العامية، وهو أسلوب لا يتفق مع أسلوب القباني في الكتابة الفصيحة - وفق رسالته المسرحية ومنهجه في تطبيقها - إضافة إلى أن موضوعهما به سخرية من مظاهر اجتماعية سلبية لم تكن ظهرت عام 1884م.
صفحه نامشخص