وهنا يأتي الضحك مقابلا للبكاء ولا يخلو من دواعي الضحك في جميع الأحوال وأهمها تبدل الحالة والمقابلة بين النقيضين. •••
وهذه الشواهد من هذه الكتب الدينية التي يقرؤها المؤمنون بها ويقدسون ما فيها خير ما يستشهد به على طبيعة الضحك في حالات متعددة؛ لأن هذه الدواعي تبرز في مواضعها بروزا واضحا بما يقابلها من شعور القداسة، وتنبئنا عن أناس متباعدين في الأزمنة والأمكنة والطبائع والأخلاق، فنعلم أن الإنسان إنسان في كل زمان ومكان، وأن الضحك خاصة إنسانية تعم بني الإنسان.
الفصل الخامس
الإنسانية والفكاهة
أيا ما كان القول في تعريف الضحك وتعليله، فمن أصح الأقوال مع جميع التعريفات والتعليلات أن الضحك - كما قال برجسون - ملكة إنسانية من طرفيها، فلا يضحك إلا إنسان، وما من شيء يضحكنا إلا أن يكون «إنسانيا» في صورة من صوره، ولو على سبيل التشبيه.
ولنا أن نقول إن الإنسان حيوان ضاحك، كما نقول إن الإنسان حيوان ناطق.
أفنعني بذلك أن كل إنسان يضحك بلا استثناء؟
كلا، إلا كما نعني أن كل إنسان ينطق ويفكر ويتكلم بلا استثناء.
فهناك خرس لا ينطقون، وهناك بله لا يفكرون، وهناك صغار أو همج تتولاهم الغرائز على نحو قريب من سيطرة الغرائز على الأحياء التي لا تساوي البشر في الخلق أو في الذكاء.
ولكننا مع ذلك نقول إن الإنسان حيوان ناطق، ونريد بذلك أنه ناطق «بالقوة » على اصطلاح المناطقة، أو بالاستعداد العام في أبناء نوعه كما نقول في عرف المصطلحين، وكذلك يقال إن الإنسان حيوان ضاحك، ومنه جماعات بدائية لا تفهم الضحك ولا تدري موقعه من أعمال الناس، ولا تميز بين المضحكات وغيرها من الأعمال المخالفة للمألوف؛ لأن مخالفة المألوف بين أبنائها ظاهرة نادرة جدا لانطباعهم على العرف المتوارث الذي لا يخالفونه إلا وقعوا في محظور «المحرمات» ... مع قصورهم عن المقارنة التي تتضح منها النقائض ومواطن الضحك أو الاستغراب.
صفحه نامشخص