وكل علم للإنسان يعرض له النقص من بعض نواحيه، فإذا قال لنفسه: لا بد لي من اللغة! فلا ينس أن يقول لنفسه: نعم. وحذار من هذه اللغة؛ فإن النفع منها للعقل عظيم جد عظيم، ولكن الضرر منها غير قليل وغير مأمون.
من منافعها أنها تحصر المارد المنطلق فتحبسه في القمقم المرصود مطيعا حيث يراد.
ومن أضرارها أنها تحبس المردة الكثيرة في قمقم واحد؛ فتنطلق مرة واحدة حيث يراد واحد منها، وتنحبس مرة واحدة حيث نريد أن نطلق منها هذا وندع منها ذاك.
عودتنا اللغة أن نحسب كل اسم علما على شيء واحد، وكثيرا ما يكون هذا الاسم كالقمقم الذي يحتوي فيه عشرات المردة بعلامة واحدة، وما من شبه بينها غير تلك العلامة لضرورة التمييز والتقسيم.
تعودنا أن نسأل: ما العلم؟ ما الفهم؟ ما الحس؟ ما الضمير؟ وتعودنا أن نسأل: كيف نعلم؟ ما وسيلة الفهم؟ ولماذا نحس؟ وما بالنا نصغي للضمير؟
تعودنا ذلك، وتعودنا أن نجيب بجواب واحد، وكأننا نسأل في جميع هذه الأحوال عن شيء واحد.
وما نسأل في الحقيقة إلا عن أشياء كثيرة تنبئ عنها كلمة واحدة.
ما نسأل في الحقيقة إلا عن عشرين ماردا أو أكثر من عشرين، يجمعهم القمقم الواحد الذي نشير إليه.
وفي سياق هذه الرسالة - رسالتنا عن حكمة جحا أمير المضحكين - نسأل كما تعودنا من كل كلمة: ما الضحك؟
ولماذا نضحك؟
صفحه نامشخص