وليس في النوادر التي تمثل بها فرويد نادرة واحدة تخلو من المفاجأة وتغنينا عن تفسير سبنسر أو تفسير داروين، فالجواب المسكت مفاجأة، والحيلة التي ترتد على صاحبها مفاجأة، والتخلص السريع بالمغالطة التي تخالف المنطق المألوف مفاجأة، وتكذيب الجواب الصادق لأن الصدق غير مألوف من صاحبه مفاجأة، وسائر النوادر التي نقلناها أو لم ننقلها ترجع بنا إلى علة المفاجأة من أقرب طريق.
وقد فرق الباحثون في الضحك بين كثير من المضحكات لاختلاف أسمائها كما تختلف كلمات السخرية أو الاستهزاء أو الدعابة أو الفكاهة.
فإذا استرسل الناظر في تتبع هذه الفروق وجد في النهاية أنها تئول إلى فروق بين أنواع الضاحكين وليست فروقا بين أنواع الضحك في أصوله، فالضحك كله مفاجأة تتحول بالفكرة أو الشعور عن مجراه.
ولكن السخرية التي تؤلم الناس أو تكشف عيوبهم ومثالبهم هي ضحك الشرير الخبيث.
والاستهزاء الذي يتعالى صاحبه على الناس هو ضحك المتكبر الذي غلظت نفسه فلا يبادلهم الشعور، أو هو ضحك العابث الذي يستخف بكل شيء ويجد الناس وهو ناظر إلى جدهم بغير اكتراث.
والدعابة التي يشترك فيها الضاحك والمضحوك منه هي ضحك القلب الطيب الذي يسر نفسه ويسر غيره بما يكشفه من هفواتهم أو يعرضه من نقائضهم، فلا يحسون أنه يفردهم بتلك النقائض أو يأخذ تلك الهفوات مأخذ الشماتة والخيلاء.
والفكاهة التي تمثل لنا المضحكات هي ضحك الفنان أو الناقد الذي يصور لنا دواعي الضحك ويبدع في تصويرها وتمثيلها، فهو مضحك وليس بأضحوكة، أو هو واضع الضحك وليس بموضوع للضاحكين.
وهذه كلها فوراق بين الضاحكين وليست فوارق بين أنواع الضحك في الصميم.
ومن الشائع جدا أن يقترن بالضحك شعور الغبطة بتفوقنا على الآخرين، ولكن لا يندر أن نضحك من أنفسنا إذا فوجئنا بالهزيمة التي لا نتوقعها في موقف نظن فيه أننا نحكم الشباك لغيرنا فإذا هو قد أفلت من تلك الشباك وأوقعنا فيها.
ومن هذه الهزيمة المفاجئة ضحك الساسة والأمراء حين بلغهم إفلات نابليون من جزيرة ألبا وعودته إلى فرنسا، وهم يحسبون أنهم وضعوه في القفص وجلسوا بعده يقررون مصير القارة الأوروبية من بعده.
صفحه نامشخص