ففي المناطق المدارية - حيث العنصر المناخي المعادي هو المطر الموسمي - تتجه مواصفات الطريق إلى الطرق المرصوفة جيدا (دكة مكدامية وطبقة أسفلتية سميكة)؛ لتجنب تحويل الطريق إلى الطين السميك الذي يعوق الحركة خلال موسم سقوط المطر.
وفي المناطق الجافة يتجنب مهندسو الطرق أن يزول طرق كل الأجواء بواسطة السيول الفجائية، فيلجئون إلى حفر أنفاق فارغة من الأسمنت تحت الطريق لكي يمكن لمياه السيول أن تمر خلالها، وبهذا يمكن اصطياد المياه المتدفقة تحت الطريق دون أن يمس بضرر، ولكن طرق كل الأجواء في النطاق الجاف تتعرض حتى الآن لعنصر طبيعي معاد لم يمكن التغلب عليه حتى الآن؛ ذلك هو الكثبان المتحركة. وتتحرك هذه الكثبان ببطء ولكنها تجثم على الطريق فتقطعه، وكل ما يحدث الآن هو إنشاء طريق آخر في منطقة الكثيب الجاثم سيكون مآله الردم هو الآخر بعد بضع سنوات. ويمكن تثبيت الكثبان المتحركة في المناطق الممطرة، ولكن مشكلة المناطق الجافة هي ندرة المياه، كذلك يمكن توقيف حركتها بواسطة تثبيت سطح الكثيب بالأسفلت، وهي عملية مكلفة ونتائجها غير معروفة، ويمكن إيقاف الكثيب نسبيا بواسطة مصدات من الشجر وأسوار البوص والغاب.
وخلاصة القول أن الكثبان ما زالت قوى فوق مستوى القهر الإنساني من الناحية العلمية.
وفي المناطق الباردة تفتح طرق كل الأجواء على مدار السنة بواسطة إقامة معسكرات صيانة مستمرة لإخلاء الطريق من الثلوج والجليد المتراكم، وهي عملية مكلفة لكنها في حدود الإمكانية العملية طالما أن للطريق أهمية اقتصادية. أما الطرق ذات الأهمية المحدودة فتترك تحت غطائها الجليدي إلى أن يذوب الجليد في الربيع. (2) وحدة الحمولة
إن تطور وسائل النقل على النحو الذي ذكرناه من قبل، قد أدى إلى إحداث تعديلات كثيرة، ليس فقط في الوسيلة والطاقة المحركة والسرعة، ولكن أيضا في كمية البضائع المنقولة، ونوعية وحدة الحمولة ودرجة عموميتها أو تخصصها في نقل سلع بعينها.
وأول وحدات الحمولة تاريخيا هو الإنسان، تلاه الحيوان، ثم العربة على اختلاف أشكال قوة الجر أو الدفع المختلفة حتى يومنا هذا. (2-1) الإنسان كوحدة حمولة
يكون الإنسان أول وحدات الحمولة المعروفة. وما زال كذلك في ظروف طبيعية خاصة برغم التطور الهائل الذي حدث في النقل؛ ففي المناطق الجبلية الوعرة وفي الغابات الاستوائية الكثيفة، ما زالت الحمولة تنقل أساسا على رأس الإنسان، أو هو يجرها خلفه أو يدفعها أمامه. وقد اخترع الإنسان أشياء كثيرة تساعده على زيادة ما يحمله أو ينقله، وأهمها الأربطة والحبال والأحزمة التي يثبتها عند جبهته أو على كتفه لإحكام التحكم ولزيادة حجم أو وزن المنقول، كما اخترع أيضا أوعية من مواد مختلفة يشترط أن تكون خفيفة مثل سلال البوص والغاب، وسلال من جدائل نباتية في صورة الشبكة، وأوعية مختلفة فخارية أو من أنواع مختلفة من النسيج أو خشبية أو جلدية أو من الورق المقوى (كرتون). وكذلك استخدام ألواح من الخشب تثبت على الكتفين تتدلى من طرفيها الحمولة كما هي أو موضوعة داخل أوعية أخرى، أو ألواح من الخشب توضع فوق الرأس لتوسيع مسطح الحمولة، أو أواني معدنية خفيفة (غالبا من الصفيح).
وكل هذه الأشياء ما زالت تستخدم حتى الآن في كثير من مناطق العالم المتقدم أو المتخلف على السواء؛ ففي المدن يحمل الناس حقائب جلدية أو شبكية أو من القماش لمختلف أغراض الحمل من السوق إلى المسكن، وفي الأحياء الفقيرة من المدن النامية على وجه الخصوص، لا يزال هناك حمالون بالأجر، وفي محطات السكك الحديدية ومواقف السيارات العامة يوجد أيضا حمالون (وإن كان بعضهم يستخدم عربات خاصة يدفعها أمامه، وفي الدول المتقدمة أصبحت هناك «موتورات» صغيرة تجر أعدادا كبيرة من العربات المحملة بالبضائع، وكذلك في المطارات والموانئ). وهناك أشكال أخرى يصبح فيها الإنسان وحدة الحمولة، لا يمكن حصرها كلها.
وأيا كان الأمر فإن الإنسان كوحدة حمل له ميزة أساسية واحدة تفضل أشكال وحدات الحمل الأخرى؛ هذه الميزة هي إمكانية الحمل والصعود في منحدرات شديدة أو على الدرج أو النزول أيضا إلى مستويات أدنى، وإن كانت أشكال المصاعد والأوناش قد حلت هذه المشكلة في معظم الأحيان، إلا أننا لا نجدها متيسرة في كل مكان؛ ومن ثم فإن الإنسان هو أكثر وحدات الحمل مرونة في الحركة الرأسية؛ ومن ثم كان ذلك مبررا لوجود أعداد كبيرة من الحمالين في نهايات خطوط المواصلات الحديثة: الموانئ والمطارات ومحطات السكك الحديدية.
وكذلك فإن الإنسان من أكثر وحدات الحمل مرونة في الحركة الأفقية؛ فهو بإمكانه أولا الانتقال إلى داخل المخازن والمباني، وهو ما يصعب على الحيوان وآلات النقل الحديثة تحقيقه، وبإمكانه ثانيا أن ينتقل في معظم أشكال الأراضي المختلفة من مناطق وعرة إلى مناطق مستنقعية، ووسط الأشجار والأحراش والمروج والسهول والرمال، دون أن يتقيد بوجود طريق مرسوم أو معبد، أو حتى مجرد «مدق» حيواني.
صفحه نامشخص