جغرافیای سیاسی
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
ژانرها
ونختم هذا الموضوع بالإشارة إلى أن الدول التي تكون من سلالة واحدة قليلة العدد في الوقت الحالي، وتختلف الدول من حيث تجانسها السلالي فقد يكون التكوين للدولة من الناحية السلالية من ناحية تجانسها بسيطا أو ملتئما أو مركبا، فالتكوين البسيط هو الذي لا يلحظ فيه الغريب أي تنافر سلالي في الشعب الذي يكون الدولة، فمثلا المصريون متجانسون أتم تجانس رغم تعدد السلالات التي دخلت في تكوينهم؛ إذ استطاعت البيئة المصرية على مدى القرون أن تتمثل جميع العناصر التي دخلتها بحيث أصبحت جميعا مصرية، وتشبه هذه الحالة أيضا الأمة الفرنسية؛ فهي أمة متجانسة رغم وجود ثلاث سلالات أوروبية رئيسية ممثلة داخلها فقد حدث الانصهار والتمثيل خلال تاريخها الطويل بين العنصر الغالي الكلتي والعناصر النوردية، وامتزجت الثقافات وكونت أصول الثقافة الفرنسية الحديثة رغم وجود عنصر الباسك في الجنوب الغربي والبريتون في شبه جزيرة برتني.
ويتمثل التكوين الملتئم في جمهوريات العالم الجديد؛ إذ من السهل التعرف على عناصر السكان المختلفة دون عناء كبير في أي وحدة سياسية فيه، ويمكن اعتبار البريطانيين تكوينا ملتئما؛ فهناك ثلاث قوميات لكل لغتها المتميزة وهي: الإنجليزية والغالية والاسكتلندية، هذا رغم وحدة اللغة والتقاليد ووحدة المصالح المادية والفرص الواحدة المتساوية أمام هذه القوميات جميعا في العمل والحكم، وكانت كلها عوامل تمثيل قوية تؤدي إلى وحدة قومية واحدة.
أما التكوين المركب فهو لا يميز إلا الدول التي لم تنضج قوميا، وهذا التكوين يشبه تكوين العناصر التي لم يمتزج بعضها ببعض إلى جانب احتفاظ كل منها بشخصيته الحضارية، بل وولائه القومي، ومن ثم كان هذا التكوين مصدر ضعف للدولة، ومن ثم أيضا كانت المشكلة التي يطلق عليها مشكلة الأقليات. وتنقسم الأقليات إلى أقليات قومية وأقليات غير قومية، والأقليات القومية هي التي تدخل في تكوين القومية الأصلية في الدول، مثل: الفرنسيون في كندا، والإيطاليون في الأرجنتين، والألمان في البرازيل وشيلي، كذلك هناك أقليات قومية سلالية مثل: الزنوج في الولايات المتحدة، واليابانيون في البرازيل، والباسك في فرنسا، والأتراك في بلغاريا، واللاب في السويد. أما الأقليات غير القومية فبعضها قانع راض بوضعه في الدولة التي وجد نفسه فيها، وبعضها له ميول للانفصال والانضمام إلى بقية أفراد قوميتها الموجودين خارج الحدود، من الأمثلة على القنوعيين الدانمركيون والهولنديون في ألمانيا، وعددهم قليل، كذلك الكروات والسلوفيون في جنوب شرق النمسا، وكلاجنفورت في جنوب النمسا، والأرمن في تركيا وسوريا، والإيطاليون في ساحل دالماشيا - الساحل الشرقي لبحر الأدرياتيك.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى عقدت تركيا عدة اتفاقيات مع اليونان ورومانيا أعيد بمقتضاها الأتراك الموجودون في اليونان ورومانيا إلى تركيا، وأخطر الأقليات جميعا هي التي تأمل في الانضمام إلى الدولة الأم، ولقد استغل القوميون المتطرفون هذه الأقليات لأغراض توسعية كالحزب النازي المسئول عن إحياء حركات الانفصاليين في بولندا والسوديت، وكانت ألمانيا العظمى في نظر الحزب تشمل كل مكان يسكن فيه ألماني بغض النظر عن القوميات الأخرى، والألمان الموجودين خارجها لأن حدودها - لأسباب اقتصادية وتاريخية وسياسية عديدة - لم تستطع أن تضمهم جميعا، فهناك الألمان في شلزويج «جنوب الدنمارك»، والألمان الموجودون في بلجيكا في إقليم مالميدي وفي التيرول الإيطالي وفي سويسرا وفي إقليم بانات في رومانيا ويوجسلافيا، والألمان الذين كانوا يسكنون في دول البحر البلطي مع الألمان الذين كانوا يسكنون شرق نهر الأودر قد نقلوا عبر الحدود إلى ألمانيا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي إحدى عمليات نقل السكان الكبيرة التي تمت بعد الحرب العالمية الثانية، فلم يبق الألمان في ممل أو بروسيا الشرقية أو الممر البولندي القديم أو سيليزيا العليا.
وتوجد أقلية مجرية في إقليم الزكلر في رومانيا، وقد طلب هؤلاء الانضمام إلى المجر عندما خضعت للغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وتعمل المبادئ الماركسية على إذابة الخلافات بين الأقليات، خاصة في البلقان الذي يمتلئ بأقليات لغوية ودينية كثيرة في رومانيا ويوجسلافيا على وجه التحديد، ولم يحن الوقت الكافي لمعرفة نتائج السياسة الجديدة وانعكاساتها على التركيبات السكانية المختلفة داخل الدول، سواء كانت سلالية أو لغوية أو حضارية. (2) السكان ديموجرافيا
يبلغ عدد سكان العالم الآن حوالي 3,7 مليارات من الأشخاص، وقد كان عدد السكان أقل من مليارين في عام 1925، وينتظر أن يصل إلى أربعة مليارات عام 1975، وإلى ستة مليارات عام ألفين.
ويتوزع سكان العالم بطريقة غير متعادلة على أجزاء العالم، فهناك 60٪ من مجموع السكان متمركزون في ثلاث مناطق محددة هي: (1) الصين واليابان. (2) الهند وباكستان وبنجلاديش. (3) أوروبا. وهذه المناطق الثلاث تساوي 15٪ من مساحة اليابس الأرضي فقط، وحتى في داخل هذه المناطق الثلاث لا يتوزع السكان بعدالة، فالازدحام السكاني الهائل في سهل الهندوستان عامة لا يوازي الكثافة المعتدلة للسكان في هضبة الداكن، والحال مثل ذلك في السهل الصيني والسهل الأوروبي بالقياس إلى بقية أراضي هاتين المنطقتين.
وإلى جانب هذه المناطق الثلاث نجد تجمعات كثيفة للسكان في مناطق محدودة من بقية العالم، فهناك مائة مليون نسمة يزدحم أكثرهم في جنوب اليابان ووسطها، وبضع عشرات من الملايين يتكاثفون في جزيرة جاوة أو في وادي النيل في مصر، أو في شمال شرقي الولايات المتحدة أو نيجيريا الجنوبية والغربية.
ومساحة اليابس الأرضي - باستثناء قارة أنتاركتيكا - تبلغ نحو 136 مليون كيلومتر مربع، والكثافة السكانية العالمية في عام 1969 - موزعة على هذه المساحة - كانت 27 شخصا للكيلومتر المربع الواحد، بافتراض أن كل مناطق العالم مسكونة، لكن النظر إلى خرائط توزيع السكان يوضح لنا أن هناك مساحات شاسعة تكاد تكون خالية، ومناطق أخرى يبلغ فيها التكاثف البشري ما بين شخص وشخصين للكيلومتر المربع الواحد، ومناطق ثالثة ترتفع فيها الكثافة إلى أضعاف أضعافها بالنسبة للكثافة العالمية.
وإذا كانت الكثافة تعبر عن تناسب السكان والمساحة العامة للدولة، فإنها تعبر - من ناحية أخرى - عن ضغط السكان على ما تقدمه المساحة من موارد حالية واحتمالات مستقبلية، ولكن الكثافة ليست عنصرا ثابتا، بل هي عنصر متغير باختلاف نسبة الزيادة الطبيعية سنة بعد أخرى وجيلا بعد جيل، ولهذا فإن التغير السكاني هو عنصر ديناميكي يجب أن يحسب له حسابه في دراسة القوى السكانية للدولة وعلاقة ذلك بالموارد المتاحة.
صفحه نامشخص