الجزء الخامس: أول ما يلقاك على جانب دجلة مدن العراق. وهي أربع عشرة، مدينة الزوراء منها، وهي مدينة المنصور في الجانب الغربي من نهر الصرات، ونهر عيسى النازلين من الفرات إلى دجلة. والمدينة التي كانت فيها الخلافة في عصرنا بالجانب الشرقي، طول وتر قوسها على دجلة ميلان ولها جسران. ومباني بغداد معظمها بالقصب والطوب، والكلس والجبس، يفسدها هواؤها، فلا يكاد اللحظ يقع عليها في جميع مبانيها. والرخام يتشقق من الحر. وأرخص ما فيها التمر، الذي يجلب من البصرة، والأرز وقصب السكر اللذان يجلبان من البطائح. وجهات واسط فيها التفاح الواسطي، والعنب الرازقي، والنارنج القروي، والليمون اليعقوبي، والورق البغدادي والأقلام الواسطية. وتصعد لها المراكب ببضائع الهند في دجلة. وموضوعها حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وتسع دقائق. وينزل من الفرات نهر عيسى، فينصب في دجلة بين القرية والرشلة، وهو من الأنهار الكبار التي تخرج من الفرات، فيسقي من الضياع عدد أيام الشهور. وأشباهه في ذلك نهر الملك ونهر النيل. ويخرج من دجلة من المياه هذه في أرض العراق، القاطول، بالجانب الشرقي من سر من رأى، وينزل من شهرزور إلى بغداد النهروان. وإذا سار السائر منها إلى المدائن عبر هذا النهر على جسر كبير ومصبه في دجلة. والمدائن التي كانت للأكاسرة على مرحلة من بغداد، والإيوان منها باق في الجانب الشرقي، وهو من أجر وقار. وكثيرًا ما يستعمل أهل العراق القار في أبنيتهم، ولا سيما في الحمامات وأماكن الماء. ومن المدائن، يلتوي دجلة، فيغرب حتى تقع واسط في الجزء الرابع، كما تقدم، ثم تقع بطائح واسط والبصرة من الأنهار الخارجة من دجلة تحت واسط في هذا الجزء، وهي ثمانون فرسخًا في مثلها، حدثت في أيام اشتغال الفرس بقتال العرب، في صدر الإسلام، فصارت ولاية منحازة وربما كان فيها ملك من الثوار وقاعدتها الجامد. وأكبر الأنهار التي تنصب فيها الفرات. ومعظم أهلها كلدانيون، على ملة الناس ﵇ ويسمونهم الصابئة. ومن الكلدانيين كان أبو إسحاق الصابي الكاتب، وله مصنف في ذلك. وتقع دينة البصرة، التي بنيت في الخلافة العمرية، حيث الطول أربع وسبعون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة، وهي على نهر يقال له الفيص (؟) مع شرقيها وجزيرة الإبله التي هي أحد منتزهات العالم بين هذا النهر ونهر معقل ونهر الإبله ودجلة، وإذا صعد المد من نهر فارس لم يشرب من هذه المياه. ويذكرون أنه يصعد ستة أيام، وتحل البصرة طوله سبعة أيام من العين إلى العين، يعنون من عباس إلى عبدان. وتقع عبدان على نهر فارس، وهو يدور بها، فلا يبقى بينها وبين البر إلا قليل، حيث الطول خمس وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس دقائق. ويصب دجلة في البحر الفارسي. وفي جنوبي عبدان وشرقيها الخشبات، وهي علامات في البحر للمراكب تنتهي إليها، وتحذر الأقاصير التي تحدث من مصب دجلة عادة، فيرفع على هذه العلامات بالليل أشعار للمراكب. وفي شرقي الخشبات مصب دجلة الأهواز، حيث الطول سبع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة غير عشر دقائق. وفي شرقي ذلك مهربان، من فرض فارس، حيث الطول سبع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وأربعون دقيقة. وفي شرقيها جنابة، ومن فرض فارس والتي ينسب إليها أبو سعيد الجنابي القرمطي، صاحب الأفعال الشنيعة. موضوعها حيث الطول ثمان وسبعون درجة وعشرون دقيقة. وفي شرقيها اشهر فرض فارس، سيراف، حيث الطول تسع وسبعون درجة والعرض ثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وأهلها أعرف الناس برئاسة البحر، ومبانيها من خشب الساج. ويقع في هذا الجزء من مدن فارس، قاعدتها القديمة، اصطخر، وهي حيث الطول تسع وسبعون درجة ودقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة، وبها كانت خزائن الأكاسرة وديوان فارس، فانتقل ذلك في الإسلام إلى شيراز، التي بنيت في زمن الحجاج، وهي حيث الطول تسع وسبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة، وصاحبها الآن له عسكر جليل ودار للؤلؤ يأتي بعضه من مغاصها، فبقيت بلادًا بين رهبة ورغبة في أمن وعافية. وتقع جور، وهي إحدى قواعد كور فارس حيث الطول ثمان وتسعون درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وإليها ينسب الورد
1 / 45