أول ما يلقاك منه جبال حضرموت، وهي ممتدة من الشمال إلى الجنوب، ولها مدن خاملة الأسماء لكونها قليلة الجد ولا يتردد عليها الركبان في البر ولا أصحاب المراكب في البحر. وأشهر مدنها الساحلية في الكتب لسعا وهي حيث الطول اثنتان وسبعون درجة وعشر دقائق والعرض اثنتا عشرة درجة وبينهما أربعون ميلًا. وبين لسعا وعدن جبل ممتد معترض يطوّل السفر في البر ومسافته من البحر إلى شمالي لسعا ثمانون ميلًا. وقاعدة حضرموت تريم وهي في الجبال في شمالي لسعا بينهما تسعون ميلًا. وفي شمالي تريم من مدنها المذكورة في الكتب شنوه المذكورة بكثرة التمر وبينهما نحو تسعين ميلًا. وفي الشرق بستين ميلًا من كل واحدة الخزيمة. وفي الشرق ظفار التي كانت قاعدة التبابعة فخربت. وهي حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض خمس عشرة درجة. ثم يلقاك على الساحل من مدن الشحر، وهي بلاد العنبر واللبان مدينة مرباط وهي على جون يدخل إلى الشمال حتى تكون هذه المدينة عند طول أربع وسبعين درجة والعرض أربع عشرة درجة ونصف. وفي شرقيها على الجون المذكور ظفار المحدثة، وهي الآن قاعدة بلاد الشحر وفرضتها المشهورة، إليها يجلب خيل العرب ومنها يحمل إلى بلاد الهند. ولصاحبها ابن الناحون عليها ضرائب، ويقال إن في أرض هذه المدينة كثيرًا من عقاقير الهند مثل النارجيل والتنبيل والفوفل والعنبا وهي كالبطيخ توجد فيها طعوم مختلفة. والقفر الذي بينها وبين قلهات لا يسلك من الخلاء والنمور العادية. وهذا الجون الكبير يقال له جون الحشيش وهو يدخل في البر من حد البحر نحو مائة ميل ويمتد من غرب إلى شرق نحو ثلاثمائة ميل، ولا تخرج منه المراكب إلا بريح البر وكثيرًا ما يحذر المسافرون من الهند إلى عدن السقوط فيه. وفي شمال هذا الجون رمال الأحقاف. وهنالك قبر هود ﵇. وفي شمالي هذه الرمال والمدن جبال اللبان ممتدة من الغرب إلى الشرق، وليس فيها مدينة مشهورة، بل سكانها قوم من مهرة كالوحوش في صورهم وكلامهم وإليهم تنسب الإبل المهرية وهم يعلفونها سمكًا صغارًا تخرج من بحرهم يقال لها الوزف. وفي داخل هذا الجزء مرتان وحرتان وهما جزيرتان والأولى هي الشرقية وبها قوم يتكلمون بلغة عاد. وفي جنوبها سقطره وهي جزيرة مشهورة وإليها ينسب الصبر السقطري المفضل، وهي منحرفة من جنوب إلى شمال مشرقه طولها نحو مائة وثمانين ميلًا. وبينها وبين الأحقاف نحو مائتي ميل، وسكانها نصارى من بقايا اليونان يقطعون في البحر على المراكب، وفيها عين ماء يقال إنه يزيد في العقل. وفي آخر جون الحشيش للشرق، الجبل الكبير العالي المعروف في الكتب برأس الجمجمة. ويعرف ذلك المكان أيضًا بغب القمر. وإلى هذا الرأس تقصد مراكب مقدشو وبه تهتدي هي وغيرها. ويقال إن هنالك جبلًا أيضًا مدورًا على صورة القمر تحت هذا الجبل الكبير. وهذا الجون يدخل الجبل منه في البحر نحو مائة ميل وكذلك في البر. وفي رأسه شعبتان يسميه البحريون من أجلهما ذا القرنين. وليس بعد في شرق الجزيرة الغربية عمران ولا مكان مذكور، إلى أن تلقاك في أول عمان قاعدتها الآن وهي قلهات، وموضوعها حيث الطول تسع وتسعون درجة وستون دقيقة، والعرض في آخر الإقليم الأول.
وفي هذا البحر تقع جزائر المند، وهي معروفة بكثرة النارجيل، وأعظمها جزيرة كلوه. هكذا يعرفها الآن المسافرون. وهي جزر كثيرة ذكرها بطليموس وسماها جزيرة المند. وهم أخوة الهند والسند، لكنهم لم يرزقوا من حظ الشهرة ما رزقه الهند والسند. وقد ذكر ابن فاطمة أن الزنج تغلبوا عليهم وأخرجوا منهم كثيرًا إلى بر السند وأبقوا الباقين رعايا.
1 / 14