La Penséesauvage
لنقد وجهة نظر سارتر في كتاب «نقد العقل الجدلي
Critique de la raison dialectique
وهو نقد لم ينصب في واقع الأمر على سارتر وحده، بل على وجهة نظر كاملة تمثل وجودية سارتر جانبا واحدا من جوانبها المتعددة. فهناك مجموعة كاملة من المذاهب الفلسفية تتصور أنها تصل إلى العمق الباطن للإنسان من خلال «التجربة المعاشة»، وتشمل هذه المجموعة، إلى جانب الوجوديين، مفكرين وفلاسفة مثل برجسون ودلتاي، وربما هوسرل أيضا. ولكن الواقع أن هذه التجربة المعاشة ليست، كما تبدو للوهلة الأولى، الطريق الموصل إلى ما هو كامن وأصيل في الإنسان، بل إنها - في نظر ستروس - لا تعدو أن تكون سطحا خارجيا تكمن من ورائه قواعد بنائية أساسية، هي تلك القواعد التي تتحكم في العلاقة بين الأنا والآخر.
فالتجربة المعاشة، مهما بدت عميقة، ليست إلا النتاج الظاهري لأساس أعمق، هو البناء الذي يشكل معناها الباطن.
ويعتقد ستروس أن الوجوديين، وأنصار التجربة المعاشة بوجه عام، يصعدون مشاغلهم الشخصية إلى مرتبة المشكلات الفلسفية، وهذا - على حد تعبيره في كتاب
Tristes tropiques
الذي كان نوعا من الترجمة الذاتية لحياته، موضوعة في إطار أنثروبولوجي - «أمر محفوف بالمخاطر، وقد يؤدي إلى نوع من الفلسفة السوقية ...»
14
ذلك لأن التفكير عندما يدخل المرحلة التعليمية الموضوعية، لا ينبغي أن يعود مرة أخرى إلى الإهابة بالتجارب الشخصية والفردية التي كان يدور حولها قبل وصوله إلى هذه المرحلة، والتي تجاوزها عمدا عن طريق التجريد وبناء أنساق شخصية. فأمثال هذه المذاهب ترتد ثانية إلى المرحلة قبل العلمية، وتنسى أن العلم، بتجريداته ونماذجه الشكلية، يستطيع أن يلقي ضوءا حتى على التجربة المعاشة ذاتها، ويفسرها بطريقة أكثر ثراء. والمهم في الأمر أن هذا الصراع بين ستروس والوجوديين يذكرنا بالصراع الذي دار قبله بما يزيد عن قرن من الزمان، بين كير كجورد، فيلسوف الذاتية المشهور، وبين هيجل، نصير التجريد العقلي والنسق الفكري الشامل.
صفحه نامشخص