جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرها
إن الغرض الأعمى ونعراتنا القومية والطائفية تحول دون التطهير، فلا بد لنا من مكنسة لا شعور لها لتقذف الأقذار، مكنسة كهربائية لا تحس بما تعمل فلا تشفق على أحد.
إن لهذا المنهاج التربوي قصصا أطول من قصص الحيات، ففي عام 1932 التأم ما كانوا يسمونه مجلس المعارف الأعلى، فكان كسفينة نوح، دار البحث فيه حول الفطاحل فرفعت الطائفية أذنيها وكان الشدياق كبش المحرقة، أما كتب أحمد فارس «الفارياق» فكيف تطلب من رجال الدين وربيبتهم أن يؤيدوه؟! لا أعيد عليك قصة جبران فقد سبق ذكرها بالتفصيل، ولكنني أريد هنا أن أريك ما حصل بعد حين لتعرف مقدار التعصب البشع.
في عام 1948 ائتمرت دول منظمة الأونسكو في لبنان، فكانوا أربعا وأربعين دولة، وشاء لبنان أن يريهم وجهه الأدبي فاختاروا منتقيات لأعلام أدباء النهضة وشعرائها، فكانت المقدمة وتراجم أدباء هذه المجموعة من نصيب الأستاذ فؤاد إفرام البستاني، المقيم العام «الدائم» في وزارة التربية، فهو الضيف الخفيف الظل الذي لا يحول ولا يزول من تلك الوزارة، كتب تلك المقدمة - أعزه الله - ببلاغته المعهودة، فقال في المقطع الأخير منها: «فأتت المجموعة إنسانية المرمى، وافرة التنوع فكرا وتعبيرا، جامعة بين الرصانة التقليدية والجرأة الظافرة، تتدرج شعرا من تامر الملاط وداود عمون إلى فوزي المعلوف وإلياس أبو شبكة، ونثرا من إبراهيم اليازجي إلى عمر الفاخوري، ومن بطرس البستاني إلى شبلي الشميل، وهي على أي حال، تحمل ذلك الطابع من العمق والشمول الذي ماز الأدب اللبناني على مختلف العصور.»
انتهى «الفرمان الشاهاني» ولكن أين أبو النهضة الحديثة أحمد فارس الشدياق؟ إنك تجده في طليعة المنتقيات في الصفحة الخامسة والسبعين من كتابهم «أعلام اللبنانيين في نهضة الآداب العربية» أما كيف أبعده الأستاذ فؤاد إفرام في مقدمته السابقة الذكر، فهذا دهاء اقتبسه الأستاذ وتدرب عليه.
إنه أراد - إذ لم يستطع حذفه بالمرة - ألا يذكره في مقدمته، وإلا فكيف يستطيع أن يذكره قبل المعلم بطرس البستاني كما جاء في ترتيب الكتاب.
وأبى قلم فؤاد إفرام إلا أن يغمز من قناة أحمد فارس، فقال حين ترجم له في الصفحة السادسة والسبعين:
ولم يبد أن ضاق به دينه لينتقل إلى آخر فآخر ، ذلك أنه ليس في الكثير الذي يقرأ للشدياق ما يدل على أزمة ضمير.
وانتقلت إلى ترجمة المعلم بطرس لأقرأ ما قيل في دينه، فما وجدت أقل إشارة إلى ذلك، مع أن الرجلين رحمهما الله عافا مارونيتهما.
أظنك أدركت الآن أين هو حجر العثرة في طريق المنهاج التربوي اللبناني.
تعصب قومي طائفي، ورجال هم هم يولجون أصبعهم في المنهاج. ويأبون إلا أن يكون حسب ميولهم وأهوائهم، تلصق تصرفاتهم التعصب بالمارونية، والمارونية قومية قبل أن تكون طائفية، والبرهان على ذلك صراعها المستمر مع رومية محافظة على «المجمع اللبناني» دستور استقلالها، كانت ولا تزال في نضال دائم لتحفظ هذا الدستور، وكان الغربيون يحاولون دائما هدمه، وأخيرا تم لهم النصر «ليتنوا» الكثيرين من كهنة الموارنة، فتبرنطوا وعافوا «الإكليل والقاووق»، ومات «المجمع اللبناني» ولم يدفن دفنة مكرمة، فأصبحت الأساقفة تعين كما يعين «الضابط» وينقلون كما ينقل.
صفحه نامشخص