جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرها
يقولون إن الله موجود في كل مكان، وفي ملتي واعتقادي أنه - لاسمه السجود - يمضي أغلب أوقاته في الجبة، فجبة بشري جبة الله، والله في الجبة كما قال الحلاج المتصوف المتهوس، فلا عجب أن يصيف سبحانه وتعالى بين الأرز والديمان، فهذا الماء يطول العمر، وهذا الهواء يصفي الأرواح وينقي الأبدان.
وإذا كانت السماء يا أخي عمر فاخوري، جنات تجري من تحتها الأنهار كما وصفها الله في كتابه العزيز، فهي - علم الله - هنا أو هنا ملحق لها كما هي الحال في لوكندات المصايف، وكأني بالجبة من الحدث إلى إهدن قد خلقها الله مقرا لعباده الصالحين، الذين يصابون بالضغط العالي وتصلب الشرايين ولا يستطيعون الإقامة عنده في أعلى عليين.
وإذا كان في بيت أبي يسوع منازل كثيرة، كما حدثنا إنجيله الطاهر عن مساحة السماء، فهنا أحد هذه الأمكنة، اجعل اللهم نصيبي من جنتك في بقعة خيرة كهذه، وما يضرك لو تخلدني بشحمي ولحمي فألاقيك في السحب مع الجدين الجليلين: إيليا وأخنوخ، وإن لم تعد كما وعدت، فخير وبركة، فالإقامة هنا لا بأس بها.
سامحوني إن تفلسفت اليوم قليلا، فقد فعلت دفعا لتوهم الناس أنني مع هذه الشيبة الطاهرة لا أعرف أتفلسف، الخير فضلتي يا جماعة، وأنا كالمتفلسفين من معاصري، والفرق بيننا أنهم يتفلسفون «رسميا» وبكثرة تقطع الرزق، وأنا أتفلسف ضاحكا ومضحكا، تلبس فلسفتي - غصبا عن رقبتي - ثوب المرافع القليل الحشمة، وما حيلتي فيها؟ إنها تحب الرقص، فاعذروها إذا لم تترصن.
هنيئا لبشري أرزها الخالد، وبطركها الشيخ الفتي، وواديها الرهيب، وجبرانها العبقري، ومغارتها العجيبة، كاتدرائية الله - لا تنسوا أنه يصيف هنا - ما أعظم حظ بشري! أعطاها الله وكثر، وهي تستاهل.
وإذا ذكرنا مغارة قاديشا تمثل لنا الخوري طانيوس جعجع : كولومب الجبة أو القائد المتنكر بثوب خوري، كما سماه الجنرال غورو، فعسى أن تشمله الحكومة الكريمة بنظرة فابتسامة، فكلام تأويله استحقاق شكر لبنان.
في لبنان أعياد صيفية أكثر من أعياد الطائفة المارونية، فعيد كبير للشجرة نتمنى أن تثمر طحينا وبرغلا، وعيد أزهار نتمنى أن تضفر إكليل حمد لحكومتنا الساهرة، وفيه محاضرات في عواصم الاصطياف أحدثها وزير التربية والاقتصاد الوطنيين، فشكرا لما يبذل معاليه من جهود جبارة في سبيل الإنعاش، أخذ الله بيده.
أف! لعنة الله على الشيطان، نسيت أعياد ملكات الجمال، ليتهم يجعلون جائزة للجمال المعتدل، ولو مرة، فأريحها وأستريح قليلا، فلا راحة لي ما دامت غلة الأدب: سلم بوزك.
إذن لا عيد أدبي في الصيف الذي يضيع اللبن، إلا عيد جبران نبي لبنان، لست أريد النبي بمعناه الديني، فالأنبياء قد ختموا، ولكن عنيت جبران النبي بأسلوبه وتفكيره وخياله، إن جبران وسام رفيع، لا كالأوسمة، علقه الدهر أبو العجائب، على صدر لبنان، مصدر البرفير والأرجوان.
واليوم يحدثكم عنه أديبان خطيران يفهمان سر الأدب، ولا شك أن حبيبنا جبران سيغتبط جدا؛ إذ يسمع ما يقال فيه من الأستاذين عمر فاخوري وخليل تقي الدين، ولما سيكتبه الحبيشي غدا في «مكشوفه» ساتر عورات الكرام.
صفحه نامشخص