جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرها
إن الجديد في هذا المنهاج فلتة، فأكثر شعرائه وكتابه من طراز واحد، نفتتحه بامرئ القيس - أول من بكى واستبكى، وقيد الأوابد - فنبحث معلقته بيتا بيتا لندل طلابنا على ما أبدع ونفهمهم خطة الشعر العربي.
ونتغلغل في الأنجاد والصحاري والبطاح فيقبل علينا زهير، أبو من ومن ومن، وربيب أوس المقعد، فتكبح «سئمت تكاليف الحياة ...» طموح الشباب وتكرههم العيشة قبل العشرين، ونتركه يتبجح بحكمة مبتذلة يضحك بعضها الأطفال، فيلاقينا طرفة الشاب على ناقته فيصفها لنا من رأسها إلى ذنبها حتى يقتلنا الضجر قبل أن يدعونا إلى «كأس روية»، وتنبري لنا قينته ونرى نداماه البيض كالنجوم، فنقول شيئا غير ما قلناه في زهير وامرئ القيس.
ولا نخلص من هؤلاء حتى يطل علينا عنترة على ناقته «أولا»، ويبادينا كالثلاثة السابقين في استنطاق دار عبلة بالجواء، وينزل ذلك الحر الطازج عن ناقته ليركب جواده ويكر، فيشكو الحصان بعبرة وتحمحم، وتلين نفس عبلة العتية أمام البطل الطب بأخذ الفارس المستلئم.
وعلى حدود العصر الجاهلي يلاقينا النابغة الهربان من وجه أبي قابوس فينشد في البلقاء وقلبه في الحيرة، فهؤلاء خمسة في واحد لولا فرق زهيد لا يساوي تعب الأستاذ وتلاميذه، فهلا نكتفي بتدريس اثنين ثلاثة منهم، وإن قلنا الحق، فاثنان يبشمان.
ونبلغ صدر الإسلام وهو أعظم عصور تطور الأدب فنتمسك بالفروع ونترك الأصل، ندرس الحجاج بن يوسف وعبد الحميد، وحجتنا «بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد» وعلى الدنيا السلام.
ثم نتشرف بزيارة البلاط الأموي فنرى هناك ثلاثة فحول يتناطحون، وملوكا وأمراء يتلهون في نقارهم، نرى الأخطل والفرزدق وجريرا ينبشون قبور القبائل ويمزقون الأكفان ويصلبون الموتى على مصلبات الطرق، فننظر كارهين إلى تلك المقابر المفتحة ونطمها آسفين، موصين طلابنا باحترام كل دين، لافتين نظرهم إلى شعرهم الإنساني فقط ...
ولا نتنفس الصعداء حتى يطلع ابن أبي ربيعة «يعدو به الأغر» في ميدان الشعر الحي، فتطيب نفوسنا إذ نرى الشعر يقلع ثوبه العتيق ويلبس جديدا.
ويمتد ظل الزمان فنبلغ العباسيين ونرى ابن برد الأعمى بصيرا بالفن، يقعد القرفصاء بالبصرة ويرسل شعره طيرا أبابيل وحجارة من سجيل، ونشهد أبا نواس مقبلا في ظل كرمه يستعرض القدماء البائسين الباكين ويكركر في الضحك، فنمجد الفن في شاعرين ظريفين: خفيف وثقيل، أحسا الحياة وأحباها فجعلاها شعرا نسانا شهورا سوداء الجبين.
ولا نفارق هذين الشاعرين حتى نعيد سيرتنا الأولى، فنرى أبا تمام والبحتري وابن الرومي، إن في الطائي غنى عن الكبير، أما ابن الرومي فيشفع تصويره في تعبيره.
ونطوف مع المتنبي في الأمصار فيسمع المعلم والتلميذ ما يرضيهما، فنهيم - كل يغني على ليلاه - حتى نستيقظ على صراخ النواحة الأسير في «رومياته» فتمتلئ الغرفة بكاء بليدا، ولولا «رائيته» لفطسنا، فما دعا هذا البكاء الحردان إلى محضرنا إلا قول حسود: «بدئ الشعر بملك وختم بملك»، وينقضي نواح أبي فراس فيتلوه غناء الأندلسيين فتشجينا أنغام موشحاتهم، ونرى صورة حياتهم تتحرك أمامنا.
صفحه نامشخص