جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرها
ودخل عمر القدس فكان أبو إستير دليله، فجاء إيليا رسولا من لدن البطريرك إلى عمر، فمر أمام إستير فصاحت وامتقع لونها، ثم يجتمع إيليا بها فيتصارع الحب والدين في قلب إستير، والحب والوطن في قلب إيليا، ويتساءلان عن صحتهما، فإذا هما كالجاحظ عليلان في مكانين، وتعتب إستير على إيليا لذهابه بلا وداع فيتنصل، ولكن أرميا يصيح من الخيمة: هذا كذب.
ويتغافر إيليا وأرميا فتعلم إستير أن إيليا تركها؛ لأن أباها جاسوس دنيء فيغمى عليها، ويطلب إيليا معاقبة أرميا على فعلته هذه فيصيح أرميا بجنون: أنا لست منكم، أنا عرب عرب ... لقد صرت مسلما ... إلخ.
واستدعى عمر إيليا فجاءه كاسف البال، ودله على قبر المسيح ليدخله ويسلم على روح الله، ثم على مكان الصعود ففعل، وطلب منه أن يحدثه عن أسباب سقوط المملكة فاعتذر إيليا تاركا هذا للشيخ سليمان، فجيء به وقص عليهم تاريخ هرقل وحروبه مع الفرس، وبين لهم أسباب ضعف السلطنة.
وعرضت في هذا الحديث مسألة خطيرة وهي حال الإكليروس، ومداخلة الدين بالدنيا، ومداخلة الدنيا بالدين والانشغال بالقضايا الدينية عن تدبير الملك، وصرف الشعب إلى ظاهر الدين، وإنه كلما شغف الشعب بهذه المظاهر زادت سلطة الإكليروس عليه، فدلنا تحرج فرح على عصره.
وبلسان سليمان تنبأ فرح عن مصير الإسلام وملك العرب، فاضطرب عمر والسامعون من القواد والأمراء، وانتهى الحديث فمشى عمر وأخذ يسأل إيليا: هل يعلمكم إنجيلكم كذا، وهل يعلمكم كذا ... إلخ، فيجيب إيليا: لا، ويقول خالد: يا سبحان الله.
وبعد هذا الكلام يبكي عمر فيصيح أبو عبيدة: ما أبكى أمير المؤمنين؟ فيزداد عمر بكاء ويقول له: «يا عامر قد سمعت من إيليا الشاب ما هي شريعة الروم، وسمعت من الشيخ سليمان كيف خرجوا عنها، فأنا أخشى أن نخرج عن شريعتنا في مستقبل الزمان كما خرج الروم فيصيبنا ما أصابهم»، وينتهي قول فرح بيا ... ويا ... كعادته.
ويقبل أرميا رسول الخير، مخبرا إيليا أن إستير في خطر، وأنه يتنازل له عنها بشرط أن يخلصها؛ لأنها تحبه، وأن البطريرك يطلب إيليا لهذا الأمر، فذهب إيليا وقابل البطريرك فكلفه ذلك، فذهب إلى بيت لحم حيث ابتدأت القصة، فرأى أبا إستير ينتظره، وكان حديث، فحلل هذا عداءه للنصارى؛ إذ لم ير أي عار في تجسسه لأعداء من خربوا مملكة أورشليم.
ودخل إيليا على إستير فرآها منهوكة ضعيفة، فتشددت وتعزت، ولكن وطأة الحمى التيفوئيدية كانت أشد فقضت بعد أن دفعت إلى إيليا شيئا، وأوصت أن تدفن في مزرعة الشيخ سليمان قرب قبر الراهب ميخائيل، ولم يصف لنا - كعادته في المأزق الحرج - لوعة أبطاله في تلك الساعة بل ترك لنا ذلك.
واختلى إيليا بعد الدفن، وتذكر الهدية فإذا هي دفتر مذكرات إستير، فقبله وقرأه بالبكاء والنحيب، ثم ذهب لزيارة قبر إستير فرأى أرميا منبطحا عليه ...
وانتقل المرض إلى إيليا فأخذ يهذي باسم إستير، وفي الساعة التي كان يتهيأ فيها عمر للرجوع إلى الجزيرة، كان أرميا الجديد يتلو مراثي أورشليم لسميه القديم، وينقل فرح أكثرها؛ إذ يراها منطبقة على حالة الفتح.
صفحه نامشخص