جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات

مارون عبود d. 1381 AH
221

جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات

جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات

ژانرها

ولا يزال الخيال اللبناني عاملا لا يستقر ولن يستقر، فالسديم يصير نجما، والنجم يمسي كوكبا، ثم ينطفئ ليشع غيره. لا يتوارى نظام شمسي حتى يظهر وراءه نظام آخر، إن الأرض لا تظلم ما دام الخيال ساطعا.

وكأني بالقارئ ينتفض قائلا: هات لنا مثالا لخيال لا وجود له إلا في خيالك. وأنا أجيب: على رأسي ثم عيني.

إن جبران خير مثال للعرق والبيئة اللبنانيين، قديما وحديثا، فالشوق والضباب الجبرانيان من عمل الخيال اللبناني الأول؛ فسفر التكوين اللبناني، وهو أقدم الأسفار عهدا، افترض الشوق فاعلا والضباب منفعلا، فجبران في خلقه وخلقه لبناني أصيل، يدين بالروح والحب، ولكنهما ماديان كما تخيلهما اللبنانيون الأول، فما المطرة نبي جبران غير ميترا روح النور الإلهي، وكأني بالعرق اللبناني قد تجمع كله في هذا الرجل ليجعله مثالا لثقافته وخياله في عهديهما، ويرى الناس تطورهما في مسالك العصور.

عندما خطر لي هذا الموضوع خفت جماح العاطفة، فاقترضت عدة ديكارت هنيهة وقلت: ماذا يحدث لو امحى لبنان من سفر الوجود؟

فرأيت السهول أقفرت، والجنان صارت هشيما، والقرى والمدن والمدارس أمست خرابا، فقلت: حقا إن لبنان خزان الله العظيم.

ثم وثب الخيال وثبة أخرى فافترضت أن نسور هذا الجبل الملهم لم تطر أفواجا أفواجا إلى آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا، فرأيت ظل العربية يتقلص بعد انتشاره، وخلت الدهر يمشي القهقرى، فارتعت كمن دهمه الغروب صلاة الظهر، فقلت: إذن والله نحن موجودون وليس ما أزعم تبجحا وابتهارا.

فإلى التفكير والتأمل أدعو الشباب المثقف والكهول العاملين، والشيوخ الذين لم يعدموا طراوة النفس، إن الخلق يقتضيكم تأملا عميقا، ونقاشا صارما وانتقادا مرا، وسعيا متصلا. العبقرية هبة اجتهاد وثقافة، والإشراق لا يدركه إلا المتأملون.

قال ريبو: المصادفات السعيدة لا تعرض إلا لمستحقيها. ففكروا لكي تستحقوها وتنتجوا ثمارا شهية تضعونها بكل فخر على مائدة أدبنا العربي الخالد، وإلا فإنكم تقطعون الجاه الطويل العريض الذي خلعه الخيال اللبناني على لساننا العربي المبين.

صفحه نامشخص