جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرها
إن للملوك والأمراء قلوبا يا عبد الله؛ ولهذا كان ويكون وسوف يكون منهم شعراء، فأي بأس عليك إذا لم ترد أن تدفن موهبتك الخالدة فأقدمت على ما لم يقدم عليه سواك من أبناء القصور، نشرت على الملأ ديوانا رفعت به مقام الشعر فطار بجناحين عظيمين، بعد ما كان يحجل بخطى قصيرة عند بابك، لم تحل عظمتك دون البوح بأسرار قلبك البشري، فلم تنتحل الأعذار لحبك كأبي فراس الذي قال وكأنه يستحي بالحب: «إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى ...» إن الحب يخاطبنا بلسان المسيح: الذي يستحي بي قدام الناس أستحي به قدام أبي الذي في السماء.
لقد بسطت يدك «العليا» الأبية على قارعة طريق الفن، والفن نار آكلة تطهر وتنقي.
ثق أن الصراحة التي وعدتك بها لا تباع ولا تشرى، فأنا لا أبيع مدحا ولا قدحا، وإنما أقول ما عندي غير راج شيئا مما عندك، وإن كان «بلوطك» ينفعني، كما قال الجاحظ لذلك الأموي حينما زاره وهو مفلوج يتداوى ببرادة الحديد.
إن لهيكل الفن حرمة هيكل الدين، ولذلك أتورع وأخشى حين تطأ رجلي عتبة بابه. قد كان المتوجون - ولا يزالون - يخلعون تيجانهم عندما يدخلون بيت الله، ليعلموا أمام المعبود أنهم بشر، «فأكسية الإضريج فوق المشاجب»، كما قال نابغة بني ذبيان في بني غسان الملوك والإخوان.
سوف نحييك مثلهم بالريحان لا لأنك صاحب سمو ملكي فقط، بل لأنك شاعر مخلص كبير باح واستراح، إن الاعتراف في كل مقام يزيح الكابوس الرابض على باب الوجدان، والاعتراف هو أن أقول إني أحببت وأحب، وأي ضير على الأمير إذا صاغ اعترافه شعرا؟
وهنا يلذ لي أن أروي قصة صديق لي، وربما كان من أترابي أو يكبرني بالسن أربع خمس سنين، أعجبته أنثى من نساء «شركائه»، كان يدخن في بيتها النارجيلة فانطفأت الجمرة فهبت بمجمرتها - لا بصحنها كما قال ابن كلثوم - وأحلت محلها واحدة متقدة، فاضطرمت الناران، وباس «البيك» شاكرا يد شريكته بوسة كقصائد ابن الرومي طول نفس.
أخجل الشريكة تواضع «معلمها» فاستحت، وقالت له بكل بساطة: حاشا قدرك يا معلمي!
فتنهد البيك وقال لها: الحب ما فيه معلم ولا شريكة، الحب رب لا شريك له، هاتي خدك ...
إنها فلسفة ارتجالية نطق بها صاحبنا بأسلوبه الخاص، فلا أمير ولا سوقة في دنيا المحبة، وما دام الله محبة هو - كما علمونا - فما قولتك بنا نحن المخلوقين على صورته ومثاله؟! وإذا قال زهير:
وإن أصدق بيت أنت قائله
صفحه نامشخص