فقالت سلمى: «الحق معك يا والدتي، ولكن خادمتنا سعيدة ماهرة، ولعل من الخير اصطحابها معنا في الرحلة.»
فقالت: «لا بأس من أخذها معنا.»
وفيما هم في الحديث جاء الخواجة سليمان، فجلسوا جميعا يتحادثون، ثم أراد حبيب وسليم الانصراف فدعوهم إلى البقاء لتناول الغداء. ثم وضعت المائدة وتناولوا الغداء معا وسليم لا يزال في شاغل داخلي بما تم له في ذلك اليوم، وقد عول على مراقبة حركات سلمى.
وبعد الغداء وشرب القهوة استأذن حبيب وسليم وخرجا، فمضى كل منهما في سبيله وهو في شاغل عظيم.
وكان حبيب قد رأى بين خط الكتاب الذي تسلمه وخط أدما مشابهة كبيرة جدا بحيث كاد يجزم بأنها صاحبة الخطين، لكنه صبر إلى الغد حيث يتقابلان في الأهرام ويستطلع أمرها بنفسه. وما زال سائرا حتى وصل إلى حلوان فأخبر والدته وشقيقته بموعد الذهاب إلى رحلة الأهرام.
وأما سليم فسار إلى غرفته، ثم غادرها إلى الحديقة حيث قضى فيها بقية النهار، ثم عاد في المساء إلى غرفته فجلس مفكرا فيما سمعه عن سلمى وأبيها من داود في الصباح، وعادت إليه هواجسه وانفعالاته، وأخذت تتقاذفه الأوهام، ثم تذكر كتاب والدته فأراد إخراجه من جيبه لكنه أمسك تجنبا لمضاعفة هواجسه. وبقي برهة يدخن ويفكر حتى غلبه التعب فذهب إلى فراشه. وقبل أن يروح في النوم تذكر أنه لم يعرف مكان داود حتى يجتمع به مرة أخرى ويستوضحه بعض الأمور، فأسف على ذلك واعتزم أن يغتنم أول فرصة يراه فيها ويسأله عن عنوانه.
في منطقة الأهرام
بكر الجميع في الصباح التالي إلى منزل الخواجة سليمان، ثم جاءوا بأربع عربات ركبوها إلى منطقة الأهرام وقد أعدوا كل ما يحتاجون إليه في نزهتهم.
وسارت بهم العربات حتى وصلوا إلى الجزيرة وكلهم فرحون بذلك الاجتماع ولا سيما حبيب؛ لأنه كان ينتظر ذلك اليوم بفروغ صبر. أما سليم فكان في العربة مع سلمى ووالديها وكل منهما يسترق النظر إلى الآخر ويحاذر كشف سريرته.
وكان ذلك النهار صافي الجو هادئا، فمرت العربات في طريق الأهرام المظللة بالأشجار تتناغى فوقها الأطيار، وعلى كل من جانبي الطريق بساتين يانعة تكسوها الأعشاب الخضراء، وتسرح فيها الماشية من البقر والجاموس يسوقها رعاة من الأحداث تكسو أجسادهم خرق بالية ولكنهم فرحون بما رزقهم الله من العيش السهل على ضفاف النيل الخصبة المرعى الرقيقة النسيم، وليس فيهم إلا من أنعشته نسمات الصباح فأخذ يغني كأنه يشارك الأطيار في تغريدها. أما الماشية فكانت تسرح وتمرح في مرعاها غافلة عن شواغل بني الإنسان.
صفحه نامشخص