وفيما هو في ذلك طرق الخادم باب الغرفة ثم دخل وأنبأه بقدوم الزائر الذي ترك بطاقته بالأمس فأمره بالمجيء به.
ودخل عليه الزائر، فإذا هو كهل طويل القامة، أفطس الأنف، ضيق العينين، في فمه اعوجاج ملحوظ وأسنانه بارزة، فرد تحيته بمثلها ورحب به.
ولما استتب الجلوس بالزائر افتتح الحديث في الشأن الذي جاء من أجله فقال: «لقد جئت أمس لمقابلتكم فلم يسعدني الحظ بذلك إلا الآن.»
فقال سليم: «أهلا وسهلا، وإني ليسعدني أن أكون في خدمتك.»
قال: «أشكرك يا سيدي على هذا الفضل الكبير، ولكني أرجو أن تجيب لي قبل ذلك طلبا بسيطا.»
قال: «ما هو هذا الطلب؟» قال: «تقسم لتحفظن ما أقوله لك سرا مكتوما عن كل بشر.»
فتبسم سليم والتفت إليه قائلا: «إن في طلبك هذا إهانة لي وطعنا في كرامتي؛ إذ لا يخفى عليك أن المحامين مكلفون حفظ الأسرار التي يقفون عليها بحكم مهنتهم كما يحفظ الكهنة سر الاعتراف، فلا داعي لأن تكلفني مثل هذا القسم.»
فقال داود: «معاذ الله، إني لم أرد طعنا أو إهانة، وأنا أعلم طهارة ذمتك ولولا ذلك ما جئت إليك مستشيرا، ولكن الأمر الذي جئت فيه يتعلق بالأعراض؛ ولذلك طلبت إليك القسم زيادة في الحرص على هذه الأعراض.»
فقال سليم: «إن العادة لم تجر بمثل ذلك قبل الآن، ولكنني إكراما لخاطرك ولمن أشرت إليهم، أقسم لك بالذمة والشرف لأكتمن كل ما تقوله لي الآن.»
فشكره داود على ذلك وقرب كرسيه منه ثم أخذ يقص عليه قصته. •••
صفحه نامشخص