دکتر جکیل و آقای هاید
الدكتور جيكل والسيد هايد
ژانرها
نظر مستر أترسون إلى ابن عمه وقال: «حقا؟ وما هذه القصة؟» في تلك اللحظة كان السيد إينفيلد غارقا في التفكير.
الفصل الثاني
قصة إينفيلد
بعد فترة وجيزة رد السيد إينفيلد قائلا: «يا إلهي! حدث ذلك في هذا الطريق، في ليلة من الليالي فيما كنت أسير عائدا إلى البيت في وقت متأخر، كان الدرب الذي سلكته خاليا تماما من المارة، ولم أر إنسانا أثناء مروري ببضعة مبان، وكان الضباب يغشي الليل، لذا احتجب نور القمر، فلم تؤنس وحدتي سوى أنوار الشارع. ولا أخفي عليك شعرت بشيء من الرعب؛ فمن الغريب أن تكون الإنسان الوحيد في بقعة مظلمة ومهجورة. وفيما كنت أحسب أنني الشخص الوحيد على الأقل الموجود خارج المنزل في هذه الليلة، إذا بشخصين آخرين في الشارع؛ أحدهما رجل شديد القصر أحدب يسير بعيدا عني. وقد راعتني سرعته؛ إذ كان يسير بسرعة كبيرة محدد الهدف. أما الشخص الآخر فقد كان فتاة صغيرة في الثامنة أو التاسعة من العمر تركض في شارع يقطع الشارع الذي أسير فيه. وبطبيعة الحال اصطدم كل منهما بالآخر حينما انعطفت الفتاة. أطاح الرجل بالفتاة أرضا، فكان هذا بشعا، غير أنه لم يتوقف عند هذا الحد! لقد خطا فوق ساقها ومضى قدما في طريقه. ولم يبد أنه لحظها. وفيما كانت الفتاة الصغيرة ملقاة في الشارع تبكي، لم يتوقف الرجل أو حتى ينظر باتجاهها! أعرف أن وصفي قد يبدو لا يحمل الكثير، لكن المشهد الذي رأيته كان رهيبا. كانت تصرفاته شديدة الفتور، فصرخت فيه وركضت وراءه. أدركته بدون عناء وأمسكت ذراعه. لم يقاومني وأنا أحضره إلى الفتاة التي تصرخ. في الواقع، بدا في غاية الهدوء، ولم يظهر عليه أدنى انزعاج لما صدر عنه. وعندئذ فحسب رمقني الرجل بنظرة مريعة حتى إنني بدأت أتصبب عرقا، كما لو كنت قد انتهيت لتوي من أداء تمارين رياضية. هرعت أسرة الفتاة للخارج. كانت الفتاة في طريق عودتها بعد ذهابها لإحضار الطبيب عندما أطاح بها هذا الرجل. ومن حسن الحظ أن الطبيب لم يكن يبعد وراءها كثيرا في الشارع، فحضر إلى الفتاة الصارخة في التو، وقال إنها مرعوبة أكثر منها جريحة. لو كان الأمر في ظروف أخرى، لانتهى في الحال. لكنني كنت مستاء من هذا الشخص الغريب حتى إنني قررت ألا أدع الأمر يمر مرور الكرام. لكن أكثر ما أثار ذهولي هو ردة فعل الطبيب؛ فكلما نظر إلى الرجل، تجهم وجهه وشحب من شدة الغضب والحنق. في بادئ الأمر ظننت أن الطبيب كان يعرف هذا الرجل الغريب، لكنني لا أظن أن هذا هو واقع الأمر بالتحديد؛ فثمة شيء ما في هذا الرجل يدفع أي فرد إلى أن يتصرف بردة فعل عنيفة تجاهه، إن النظر إلى وجه هذا الشرير يجعلك تشعر بعدم الارتياح، حتى إنك ترغب في الانصراف في الحال؛ فعيناه جامدة وباردة، وتداعب شفتيه ابتسامة قاسية. لا يمكنني أن أصف ما اجتاحني من شعور إلا بالرعب الشديد. كان أمرا بالغ الغرابة.»
سأل مستر أترسون: «وماذا فعلت؟ هل استدعيت الشرطة؟» وكان السيد أترسون قد تأثر بالقصة تأثرا شديدا. وكان يرغب في سماع ما آل إليه الأمر، وكيف كان لهذا الرجل الغريب علاقة بالمنزل المتهالك الكائن على الجانب الآخر من الشارع أمامهما؟
أردف السيد إينفيلد قائلا: «جربنا طريقة مختلفة، إذ أخبرنا هذا الرجل أننا سوف ننشر أمر فعلته الشنيعة في أنحاء لندن، وسيتناقلها الجميع، وحذرناه من أنه إذا كان له أي أصدقاء أو عمل، فإنه سرعان ما سيفقدهم. توقعت أن يؤثر كلامنا فيه ويأسف عما بدر منه، غير أن ذلك لم يحدث، وأجابني في فتور: «إذا نويت أن تثير مثل هذه الجلبة حول هذا الحادث، عندئذ سأضطر إلى أن أجيب طلبك، ففوق كل شيء، ما من رجل محترم يريد أن يثير ضجة.» وكان صوته هادئا هدوءا اقشعر له بدني. وعندئذ ابتسم ذلك الرجل الكريه بحق! فكانت ابتسامته كريهة وخبيثة، ثم قال: «حدد المبلغ الذي تريده.» وبعد قليل من الشد والجذب، وافق على أن يدفع لأسرة الفتاة مائة جنيه. واتفقت أنا والطبيب أن نلازم الرجل للحصول على المال، فتبعناه إلى المنزل - نفس هذا المنزل الكائن أمامك وأمامي الآن - حيث اختفى لبضع دقائق ثم عاد حاملا شيكا بمبلغ قدره مائة جنيه. تفقدت الشيك، فأصابني الذهول الشديد لدى قراءة الاسم المكتوب عليه، فهو اسم مواطن معروف وبارز. من الواضح أن هذا الرجل الغريب زور توقيعه أو حصل عليه بوسائل غير مشروعة. قال الرجل ساخرا: «اطمئن، سأمكث معك حتى الصباح وسأصرف الشيك بنفسي. سترى أنه سليم.» وعليه عدت أنا والطبيب والرجل الغريب إلى منزلي ريثما فتحت البنوك. كان انتظارا مرهقا؛ لم ينبس أحد منا ببنت شفة، وأخذت أنا والطبيب نتفرس في الرجل بفضول بالغ، وكان هو يحدق في المدفأة طوال الوقت. أخيرا طلع الصبح علينا، وانطلقنا إلى البنك، وأخبرت الصراف أنني أملك من الأسباب ما يجعلني أشك أن هذا الشيك مزور، لكنني صعقت لدى علمي أنه شيك حقيقي.»
قال مستر أترسون: «أوف!» ثم هز رأسه مستنكرا.
قال السيد إينفيلد: «أرى أنك تشعر بمثل ما أشعر به. أجل، إنها قصة مؤسفة. كان الرجل الغريب الذي التقيته شخصا كريها للغاية، شخصا لا ترغب أبدا في أن تلتقيه. فهو مرعب وشرير.» ثم هز مستر إينفيلد رأسه في أسف وقال: «زد على ذلك أن الرجل المذكور اسمه في الشيك اسم رجل فاضل ذي سمعة طيبة في المجتمع. لا يمكنني تخيل ما الذي يمكن أن يجمع بينهما. ومنذ تلك الليلة وأنا أشير إلى هذا المنزل باسم «منزل الابتزاز»؛ فالشيء الوحيد الذي يمكنني أن أفترضه هو أن الرجل الغريب الشرير يبتز الرجل المحترم بأحد الأسرار التي يعرفها عنه.» هكذا راح السيد إينفيلد يفصح عما يدور بخلده.
قال السيد أترسون: «وهل أنت متأكد من أن الرجل الذي كتب الشيك يقطن هذا المنزل بالفعل؟»
أجاب السيد إينفيلد وهو شارد الذهن: «أظن أنه يعيش في مكان ما في حي سوهو. أنا أراقب هذا المنزل من حين لآخر، وهو يكاد لا يكون منزلا على الإطلاق؛ فلا توجد نوافذ في هذه الجهة، ولا أحد يدخل أو يخرج منه فيما عدا هذا الرجل بين الفينة والفينة. اختلست النظر بضع مرات من خلال الباب ولاحظت أن ثمة ثلاث نوافذ مواجهة للفناء الداخلي تنظف باستمرار. وكثيرا ما يتصاعد الدخان من المدخنة، إذن لا بد أن أحدهم يعيش هناك.»
صفحه نامشخص