وبوجه لا يزال متجها وجهة أخرى أومأ موروجان برأسه إيجابا، وتمتم قائلا: أسفت عندما نمى إلي أنها مريضة.
قال الدكتور روبرت: لم يعد لها سوى بضعة أيام، أربعة أو خمسة على الأكثر، ولكنها لا تزال صافية الذهن، واعية تماما بما يحدث لها. بالأمس سألتني إن كنا نستطيع أن نتناول عقار الموكشا معا. وفي جملة معترضة قال: وكنا نفعل ذلك من قبل مرة أو مرتين كل عام خلال السبعة وثلاثين عاما الماضية؛ منذ أن قررنا أن نتزوج، والآن مرة أخرى؛ للمرة الأخيرة، والأمر لا يخلو من مخاطرة لما قد يترتب عليه من إيذاء لكبدها. ولكنا قررنا أنه خطر يستحق أن نرتكبه. وكنا على حق كما تبين فيما بعد؛ فإن عقار الموكشا - أو المخدر كما تحب أن تسميه - كاد ألا يصيبها بأي سوء، وكل ما حدث لها تحول عقلي.
ثم صمت، وفجأة تنبه ويل إلى خمش الفئران المحبوسة في القفص وصريرها، كما تنبه من خلال النافذة المفتوحة إلى الجلبة التي تتميز بها الحياة في المناطق الاستوائية، وكذلك إلى نداء طائر بعيد من طيور المينة، يصيح: الآن، وفي هذا المكان أيها القوم، الآن، وفي هذا المكان ...
وأخيرا قال الدكتور روبرت: أنت مثل هذه المينة؛ دربت على تكرار ألفاظ لا تفقه لها معنى أو تدرك لها مغزى. لا تفتأ تكرر قولك: «غير واقعي، غير واقعي»، ولكنك إذا جربت ما فعلته أنا ولاكشمي بالأمس كنت أكثر من ذلك علما. كنت أكثر واقعية مما يدور في خلدك ومشاعرك في هذه اللحظة. كنت أكثر واقعية من العالم الذي تبصره بعينيك. ولكن «هذا غير واقعي» هي العبارة التي تعلمت أن تجريها على لسانك، «غير واقعي، غير واقعي». ووضع الدكتور روبرت إحدى يديه على كتف الفتى في عطف شديد، وواصل حديثه قائلا: قيل لك إنا لسنا سوى مجموعة من متعاطي المخدرات المدمنين، نغوص في الأوهام والسمادير الكاذبة. اسمع يا موروجان: عليك أن تنسى كل ما نفخوه فيك من لغة باطلة. عليك أن تنساه على الأقل حتى تقوم بالتجربة مرة واحدة. خذ أربعمائة مليجرام من عقار الموكشا واكشف لنفسك بنفسك تأثيرها، وماذا تستطيع أن تنبئك به عن طبيعتك، وعن هذا العالم الغريب الذي يتحتم عليك أن تعيش فيه، وتتعلم فيه، وتكابد فيه، وأخيرا تموت فيه. نعم؛ لأنه حتى أنت لا بد أن تموت يوما ما؛ ربما بعد خمسين عاما من اليوم، وربما غدا، من ذا الذي يعلم؟! ولكنه لا بد حادث. ومن لا يستعد لهذا اليوم رجل غافل. والتفت إلى ويل وقال له: هل تحب أن ترافقنا ونحن نستحم ونرتدي الملابس؟
ولم ينتظر منه ردا وسارع إلى الخروج من الباب الذي ينفتح على الردهة الوسطى في البناء الطويل. والتقط ويل عصاه الخيزرانية وخرج من الغرفة في أثره مصاحبا فيجايا.
وبعدما انغلق الباب خلفهما سأل فيجايا: هل تظن أن موروجان قد تأثر بهذا الكلام؟
وهز فيجايا كتفيه وقال: إني أشك في ذلك.
قال ويل: إنه بتأثير أمه وبشغفه بالآلات ذات الاحتراق الداخلي محصن ضد أي شيء مما تقولون. كم كنت أود لو أنك استمعت إليه وهو يتحدث في موضوع العجلات البخارية!
قال الدكتور روبرت وقد توقف عند باب أزرق في انتظارهما لكي يرافقاه: سمعناه مرارا وتكرارا. عندما يبلغ سن الرشد ستصبح هذه العجلات قضية سياسية كبرى.
وضحك فيجايا وهو يقول: أن تركب العجلة أو لا تركبها، هذه هي المشكلة.
صفحه نامشخص