أما الفرض وهو في اللغة قطع الشيء والتقدير وجنس من التمر والتوقيت وأما في الشرع فهو ما أي حكم مقدر لا يحتمل زيادة أو نقصانا ثبت أي لزم المكلفين بدليل قطعي أي آية قطعية الدلالة أو حديث قطعي الثبوت والدلالة لا شبهة فيه تأكيد للقطعي ومراده الفرض الاعتقادي وهو المتبادر عند إطلاق لفظ الفرض وأما الفرض العملي فهو ما تفوت الصحة بفوته كالوتر تفوت بفوته صحة صلاة الفجر للمتذكر له وكمسح ربع الرأس وكل فرض مختلف فيه بين المجتهدين وحكم هذا الفرض الثواب بالفعل والعقاب بالترك بلا عذر عند القائل به وعدم الكفر عند الجحود وحكمه أي الفرض الاعتقادي الثواب يوم القيامة من الله تعالى بالفعل أي بسبب الفعل والعقاب يوم القيامة أيضا بالترك بلا عذر شرعي يبيح الترك أو يوجبه كالسفر في الفطر والقصر والكفر بالإنكار أي جحود الفرضية وكذلك الاستخفاف بها ، قال في البحر من باب المرتد : ويكفر بترك الصلاة متعمدا غير ناو للقضاء وغير خائف من العقوبات في الفرض المتفق على فرضيته يعني الاعتقادي دون العملي كما ذكرنا والواجب وهو في اللغة الثابت أو المضطرب كما يقال : وجب جناح الطائر إذا خفق وفي الشرع : ما أي حكم ثبت أي لزم دون لزوم الفرض بدليل فيه شبهة أي غير قطعي الثبوت كالحديث الآحاد القطعي الدلالة وربما يزاد فيه وينجبر بجابر لإخراج السنة والمستحب المشتركين معه في الدليل الذي فيه شبهة وقد يقال أنهما خرجا بقوله : ثبت فلا يزاد شيء وحكمه أي الواجب كحكم الفرض الاعتقادي عملا أي من جهة أنه يثاب بالفعل لا اعتقادا لثبوته بالظني حتى لا يكفر جاحده بخلاف الفرض الاعتقادي وأما العقاب بالترك فليس هو كالفرض فيه لدخوله تحت قوله : لا اعتقادا وإنما يخاف من العقاب فيه ، والسنة وهي في اللغة الطريقة مرضية كانت أو لا وفي الشرع ما أي فعل واظب أي داوم ولازم عليه - صلى الله عليه وسلم - أو أحد الخلفاء الأربعة - رضي الله عنهم - كما قال - صلى الله عليه وسلم - عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي مع تركه أي بالفعل قصدا مرة أو مرتين وهو معنى قول بعضهم مع الترك أحيانا جمع حين وظاهره شمول الثلاث مرات كما لا يخفى ولعل المراد أن يكون الفعل أكثر من الترك وهو معنى المواظبة وحكمه أي ذلك الفعل المواظب عليه الثواب يوم القيامة بالفعل منويا به إقامة السنة قال في الأشباه في نية الوضوء وينبغي أن تكون في أول السنن عند غسل اليدين إلى الرسغين لينال ثواب السنن المتقدمة على غسل الوجه انتهى ، وظاهره أنه لا ينال ثواب السنن إلا بالنية والعتاب بالتاء المثناة فوق أي اللوم بالترك وفي بعض الكتب استحقاق اللوم وهو لا يستلزمه وذلك ظاهر لأنه لا يقطع بالعقاب لتارك الفرض بل هو عاص والعاصي في مشيئة الله تعالى كما سبق فكيف باللوم في السنة في الهدى قيد للعتاب لا الثواب قال والدي رحمه الله في حاشية الدرر : السنة نوعان سنة هدى وتاركها يستوجب إساءة كالجهاد والأذان ، وزوايد وتاركها لا يستوجب ذلك كالسنن في القيام والقعود واللباس ، يعني إن كانت على سبيل العبادة فسنن الهدى وعلى سبيل العادة فسنن الزوائد كلبس الثياب والأكل باليمين وتقديم اليمنى في الدخول والمستحب وهو في اللغة الأمر المحبوب يقال استحبه أي أحبه وفي الشرع ما أي فعل فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة وتركه مرة أخرى ولم يواظب عليه بأن كان تركه أكثر من فعله ويقال المستحب أيضا على ما أي فعل أحبه أي جعله محبوبا له واستحسنه السلف وإن لم يكن فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مرة والسلف جمع سالف وهو الماضي والمراد بهم أئمتنا المتقدمون أبو حنيفة وأصحابه - رضي الله عنهم - وقال والدي رحمه الله تعالى : اعلم أن المستحب أدون من السنة وأعلى من الأدب ولم يفرق بعض مشايخنا بين الأدب والمستحب على السنة وقد يطلق المستحب على السنة وقد نقل ذلك من شرح درر البخاري وحكمه أي المستحب الثواب بالفعل دون ثواب السنة وعدم العتاب أي اللوم بالترك بخلاف سنة الهدى كما سبق والسنن الزوايد كالمستحب في عدم اللوم بالترك ولعل هذا المراد بإطلاق المستحب على السنة في قول الوالد رحمه الله لا سنة الهدى فتأمل والمباح وهو في اللغة الجائز الذي ليس بممنوع وفي الشرع ما أي فعل يخير العبد المكلف فيه أي في ذلك الفعل بين الإتيان به وبين الترك له يعني لا يثاب بفعله ولا يلام بتركه ولو نوى به طاعة يثاب على نيته لا عليه وكذلك لو قصد فعل معصية يلام على قصده لا عليه وحكمه أي المباح عدم الثواب وعدم العتاب أي اللوم معا فيه أي في المباح فعلا وتركا أي من جهة الفعل والترك لف ونشر مرتب والمحرم وهو في اللغة المجعول حراما أي ممنوعا منه وفي الشرع ما أي حكم ثبت أي تحقق النهي فيه أي في شأنه بأن ورد في النهي عنه دليل قطعي لا شبهة فيه وهذا معنى قوله بلا معارض يدل على إباحته وربما يقال إن الحرام على نوعين نظير ما سبق في الفرض حرام قطعي مجمع عليه ولا يثبت إلا بالدليل القطعي وحرام ظني مختلف فيه ويثبت بالدليل الظني وحكمه أي المحرم الثواب بالترك إذا كان الترك كفا عن الفعل بأن كان قادرا وامتنع وإلا فلا يثاب على ترك بمعنى العدم كالعنين على ترك الزنا ذكره في الأشباه وقوله : لله تعالى أي لرضائه أو خوفا منه وأما للخروج من عهدة النهي فلا يحتاج إلى نية كما في الأشباه بخلاف الفرض **** والعقاب أي العذاب من الله تعالى في الآخرة والمراد استحقاق ذلك لما ذكرنا بالفعل عمدا بلا عذر وهذا في المحرم القطعي إجماعا والظني عند القائل به والكفر بالاستحلال أي بجحود حرمته إذا كان ذلك في المحرم المتفق على حرمته وهو الحرام القطعي وأما الحرام الظني فلا يكفر مستحله والمكروه وهو في اللغة ضد المحبوب من كرهت الشيء إذا لم ترض به وفي الشرع ما أي حكم ثبت أي تحقق النهي الوارد فيه مع المعارض له بأن تعارض دليلان في إباحته وحرمته فاخذ بالمنع منه تقليلا للنسخ إذ الأصل في الأشياء الإباحة والتأسيس خير من التأكيد وحكمه أي المكروه الثواب بالترك بمعنى الكف أيضا الموصوف نعت للترك أي الترك لله تعالى كما سبق لكن دون الثواب على ترك المحرم وخوف العقاب من الله تعالى يوم القيامة بالفعل وعدم الكفر بالاستحلال بسبب دخول الشبهة في دليله وقال والدي رحمه الله والمكروه نوعان مكروه كراهة تنزيه وهو إلى الحل أقرب ومكروه كراهة تحريم وهو إلى الحرمة أقرب وعند محمد هذا المكروه كراهة تحريم حرام ولكن بغير القطعي كالواجب مع الفرض وفي التلويح قوله وهو إلى الحل أقرب بمعنى أنه لا يعاقب فاعله أصلا لكن يثاب تاركه أدنى ثواب والمفسد في اللغة من الإفساد خلاف الإصلاح وفي الشرع هو الناقض يقال في الأجسام نقضت الحايط أي أبطلت تأليفه وفي المعاني هو المخرج للعمل المشروع فيه عما هو المطلوب منه ولا فرق بينه وبين المبطل في العبادات بخلاف المعاملات وحكمه أي المفسد استحقاق العقاب بالفعل عمدا لقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } إلا إذا كان بقصد الأداء كاملا كمسائل إدراك الفريضة وعدمه أي عدم استحقاق العقاب بفعل ذلك سهوا من غير تعمد .
صفحه ۷