جوهر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
ژانرها
يحدث نوع آخر من الحركة بفعل مغناطيسية الأرض، فتسبح بكتيريا مثل ماجنيتوسبيريلم ماجنيتواكتيكوم على طول الخطوط المغناطيسية، فتسبح في نصف الكرة الأرضية الشمالي في اتجاه القطب الشمالي، ونصف الكرة الجنوبي في اتجاه القطب الجنوبي؛ فيتسبب المجال المغناطيسي في تحويل حركتها العشوائية إلى سباحة في اتجاه واحد فقط، لكنها أيضا تبحث عن تركيز الأكسجين الذي له أهمية بالغة في نموها؛ ومن ثم نجدها في بحيرة أو محيط تتجمع في الطبقة الموجودة تحت السطح مباشرة التي يكون تركيز الأكسجين فيها بمستوى مناسب. ولذلك أطلق على حركة هذا النوع من البكتيريا اسم الانجذاب الهوائي المغناطيسي. وعليه نجد هنا علاقة أخرى بين بحث الجراثيم والحيوانات؛ فالطيور مثل الحمام، والأسماك والنحل، كلها تشبه البكتيريا الانجذابية المغناطيسية في استخدامها لبوصلة داخلية - جزيئات فعلية من أكسيد الحديد (الماجنيتيت) - في توجيه أنفسها في أثناء رحلات كل منها.
تبحث كثير من أنواع البكتيريا أيضا عن شيء آخر؛ سطح تنمو عليه. أحد الأمثلة على هذا العتائق التي تعيش في المياه الساخنة المالحة على جزء معين من الشاطئ في أستراليا الغربية؛ فهي تشكل حرفيا سلسلة من الحصائر الواحدة فوق الأخرى، في هذه الحالة يكون سطحها هو نفسه الحافز. ويوجد مثال آخر على هذا في البكتيريا التي تصيب الجزء السفلي من أمعائنا؛ لا تكون كلها مسببة للمرض، وإنما على العكس من ذلك، فإن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يكون له أحيانا تأثير عكسي بالقضاء على البكتيريا غير الضارة التي تمنع طبيعيا إنشاء مستعمرات ممرضة، ويتمثل السطح الذي تتعلق به البكتيريا المعوية في الطبقة المخاطية للخلايا الظهارية. ويجري العلماء حاليا أبحاثا من أجل التوصل إلى طرق تشجع البكتيريا غير الضارة، مثل معظم سلالات الإشريكية القولونية، على التعلق بهذه الطبقة؛ ومن ثم منع التصاق الأنواع الممرضة مثل الإشريكية القولونية 0157.
33 (7-2) الطلائعيات
34
أحد الأمثلة البارزة على الانجذاب الذاتي تظهر لدى كائن يدعى أميبا ديكتيستيلم القرصية. يعرف هذا النوع من الفطر باسمه الشائع؛ العفن الغروي. تتكون دورة حياة هذا الكائن من مرحلتين؛ في المرحلة الأولى تنمو خلايا فردية وتتضاعف، مثل البكتيريا، لكن عندما ينفد مصدر طعامها تبدأ المرحلة الثانية، فيجذب محفز انجذاب كيميائي الخلايا الفردية حتى تكون بوغا واحدا عملاقا من خلايا غير منقسمة (شكل
3-3 ). يتعرض هذا البوغ لعدة تغيرات في الشكل حتى يتفكك في النهاية إلى خلايا منفردة، التي بمجرد وصولها إلى بيئة يتوافر فيها الغذاء، تبدأ عملية انقسام خلوي مرة أخرى. يتمثل محفز الانجذاب الكيميائي هذا في جزيء يدعى أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي. إن هذا الجزيء مشتق من ثلاثي فوسفات الأدينوسين، ويلعب دورا في مسارات الإشارات، مثل التي تنقل تأثير الهرمونات إلى الخلايا المعرضة للخطر، في كل نوع من الكائنات العليا، بداية من الفطر حتى النباتات والحيوانات.
شكل 3-3: بحث الطلائعيات. (أ) الانجذاب الذاتي للديكتيستيلم القرصية (نوع من الأميبا يسمى أيضا العفن الغروي). (أ)-(ج) مع نفاد العناصر الغذائية من الكائنات التي تنمو على وسط صناعي، تتوقف عن الانقسام وبدلا من ذلك تبدأ في التجمع، وتكون في النهاية كرة واحدة من الخلايا، تظهر من أعلى في الشكل (د). إذا نظرنا إليها من الجانب نرى أن هذه الكرة تتكون من منطقتين؛ ساق وجزء علوي أو جسم مثمر (وهو الذي يخرج في النهاية أبواغا مستعدة لتبدأ في النمو والانقسام في صورة خلايا فردية مرة أخرى). للمزيد من التفاصيل انظر متن الكتاب، وكذلك كتاب سي إيه باسترناك «كيمياء حيوية للتمايز»، مؤسسة وايلي إنترساينس، نيويورك، 1970، التي أعيدت منها طباعة هذا الشكل بإذن.
يكون مصدر أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي الذي يتسبب في تجمع أميبا ديكتيستيلم القرصية الكائن نفسه، فتبدأ أول خلايا تتعرض لنقص العناصر الغذائية في إفراز أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي. يجعل هذا الخلايا الأخرى تذهب إليها، وفي النهاية يتحول هذا التجمع المتزايد من أميبا الديكتيستيلم القرصية إلى تكوين تطغى عليه الأبواغ. تشيع المواد الكيميائية التي تجذب الكائنات بعضها إلى بعض في عالم الحيوان، تعمل عدة جزيئات، تعرف إجمالا باسم الفيرومونات، كوسيط في الانجذاب بين الذكر والأنثى في معظم الحيوانات؛ بداية من الحشرات وحتى القطط والكلاب، والنمور والأسود، حتى البشر (على الأقل حتى اختراع مزيلات العرق والغسيل المستمر للأعضاء الجنسية). تمثل الرؤية عامل جذب على القدر نفسه من قوة جذب الرائحة؛ مثل تجمع المفترسات حول إحدى الفرائس أو حول فتحة مياه، أو تجمع البشر عند رؤية حادث أو مهرج في الشارع، كما أن صوت مغن في الشارع أو حفل في الهواء الطلق يكون له التأثير نفسه على البشر ليجتمعوا، تماما مثل تأثير قرع أجراس الكنائس أو نداء المؤذن؛ فبالتأكيد يوجد الكثير من القواسم المشتركة بين سلوك البشر وسلوك العفن الغروي.
شكل 3-4: (ب) تفادي الستنتور (نوع من البروتوزوا ذات الأهداب) للسمية. (أ) عند تناول الطعام يثبت الستنتور نفسه على سطح ما باستخدام ساقه، وتدخل الأهداب التي تمتد على طول الجزء الخارجي منه الجسميات إلى داخل منطقة الفم. (ب) إذا وضع معلق من جسيمات صبغة الكارمين من قطارة، فإن هذا الكائن يستدير مبتعدا عن هذا المحفز البغيض. (ج) إذا استمر وضع المحفز، فإن الأهداب تعكس حركتها بحيث تطرد الماء. (د) إذا فشلت هذه المناورة أيضا في التخلص من الجسميات الضارة، فإن الكائن ينكمش ويفصل ساقه عن السطح ويسبح (ه) إلى موقع آخر. أعيد رسم هذه الصور بإذن من مؤلف كتاب «تحركات الخلية» دينيس براي، جارلاند، نيويورك، 1992.
تؤدي أنواع أخرى من الطلائعيات صورا أخرى من البحث؛ فتسعى البروتوزوا مثل الستنتور إلى تجنب المحفزات الضارة بالأسلوب الذي تتبعه البكتيريا؛ فهي تستخدم أهدابها في تحريك نفسها بعيدا عن الخطر والانتقال إلى موضع جديد (شكل
صفحه نامشخص