جوهر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
ژانرها
بينما في بعض الشركات العاملة حاليا في دول الاتحاد السوفييتي السابق، تزيد هذه النسبة 3 آلاف ضعف. ويحمل القلق بشأن هذه الأمور مخاطر أيضا؛ لأن القلق يؤدي إلى الضغط، والضغط أحد العوامل المساهمة في الإصابة بأمراض شائعة، مثل السرطان أو النوبة القلبية. ذكرت السفر كمثال لنشاط يحمل مخاطر كبيرة، فهل نتج عن سعي الإنسان المستمر للسفر على نحو أسرع ظهور أشكال ذات خطورة متزايدة؟ والإجابة هي لا، عند وضع عدد المشاركين فيه في الاعتبار. وتعتبر أكثر الوسائل الشائعة حاليا للسفر داخل القارة في أوروبا القطار أو السيارة؛ فقبل هذا كانت تستخدم العربة التي تجرها الخيول ، فكانت سرعة السفر أقل بكثير. ومع ذلك فإن السيارات والقطارات أكثر أمانا من المركبات المكتظة بالركاب التي تجرها الخيول التي تترنح على طول الطرق الوعرة. كذلك، فإن البواخر العابرة للمحيطات أكثر أمانا من المراكب الشراعية التي كانت موجودة في السابق، والطائرة النفاثة أكثر أمانا من منطاد زبلين. وفيما يتعلق بالنقل العام، تماشى سعي الإنسان لتحقيق الأمان مع بحثه عن سرعة أكبر، وأنا أعتقد أن هذا ينطبق على الطعام أيضا. (2) الحاجة لأطعمة جديدة
أدى البحث الناجح عن تحسينات في الرعاية الصحية والصحة والنظافة العامة على مدار بضع مئات السنين الماضية إلى انخفاض معدل وفيات الأطفال وزيادة متوسط العمر المتوقع. ونتيجة لهذا يزيد عدد سكان العالم بمعدل أسرع من أي وقت مضى؛ فعلى مدار السنوات الخمس الأخيرة وحدها زاد العدد أكثر من الضعف - من مليارين ونصف مليار إلى 6 مليارات نسمة - ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد على مدار السنوات الخمسين القادمة بنحو 3 مليارات نسمة أخرى. تحدث النسبة الأكبر من الزيادة في أفقر دول العالم، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية،
10
رغم ارتفاع معدلات وفيات الأطفال في هذه المناطق. وإذا لم تكن أساليب جديدة للزراعة قد اخترعت، كانت هذه الدول ستفشل في توفير الغذاء لسكانها على نحو أسوأ من الموجود حاليا؛ إذ يعاني أكثر من 800 مليون شخص
11
من نقص في أكثر من 300 سعر حراري - ما يعدل وعاء من الأرز - يوميا؛ ويموت نحو 40 ألف شخص، نصفهم من الأطفال، يوميا بسبب سوء التغذية. تمثل المياه والأرض المناسبة العوامل الرئيسية التي تحد من إنتاج الطعام في العالم الثالث، كما تزيد الخسائر الناتجة عن الفساد وقلة الكفاءة الأمر سوءا. يجب زيادة البحث عن أشكال جديدة من الطعام تزيد الإنتاج إذا لم نكن مستعدين لتعريض سدس سكان العالم لحوادث من المجاعات الجماعية. لحسن الحظ أصبحت تقنيات تعديل جينومات النباتات والحيوانات، التي تم التوصل إليها حاليا، جاهزة للاستخدام. بالطبع يجب تشجيع إنتاج محاصيل معدلة جينيا، مثل القمح والذرة والشلجم (الكانولا) والقطن وبنجر السكر والبطاطس - خاصة لاستخدامها في الدول الفقيرة في العالم - أو على الأقل تقييمها، وليس منعها.
إن الحجة التي تقول إنه يوجد، على مستوى العالم، طعام يكفي في الوقت الحاضر خاطئة. فمن غير الواقعي أن نتوقع من دول أمريكا الشمالية وأوروبا، القادرة على إنتاج فائض من الحبوب والأطعمة الأخرى، توزيع المحاصيل بانتظام على الدول ذات الإنتاج المنخفض؛ فكونها تفعل هذا في أوقات الأزمات أمر محمود. ولأجل احترامها لذاتها فقط، يجب مساعدة بعض من الدول سالفة الذكر في زيادة إنتاجها الزراعي. ففي الوقت الحالي يعتبر إنتاج المحاصيل في معظم أنحاء القارة الأفريقية الأقل في العالم؛ فعلى سبيل المثال، يقدر إنتاج محصول الذرة بنحو 1,7 طن للهكتار، ويبلغ المتوسط العالمي 4 أطنان. أما إنتاج محصول البطاطا، التي تعتبر الغذاء الرئيسي لكثير من الأفارقة، فيقدر بستة أطنان للهكتار، بينما المتوسط العالمي 14 طنا (ويصل في الصين إلى 18 طنا). ما السبب في مثل هذا الإنتاج المنخفض؟ بالطبع يرجع هذا جزئيا إلى الطقس - كوجود فترات جفاف طويلة - لكن أكثر من 50٪ من المحاصيل تدمر سنويا بسبب النمو المتزايد للحشائش الضارة وهجوم الفيروسات والعفن والآفات الحشرية. ونتيجة لهذا تحتاج أفريقيا إلى استيراد أكثر من 25٪ من استهلاكها من الحبوب.
12
وفي روسيا يفقد تقريبا نصف محصول البطاطس بسبب ما يصيبه من دمار بفعل خنفساء كولورادو ومرض اللفحة المتأخرة الفطري؛ وأصبح نقص البطاطس يمثل مشكلة خطيرة طوال العقد الماضي؛ هذا لأن سياستي «البريسترويكا» و«الجلاسنوست» التي منحت كل فرد في الاتحاد السوفييتي السابق حرية ديمقراطية، أدت إلى سوء حال جموع الشعب كثيرا من الناحية الاقتصادية، ودفعتهم إلى الاعتماد على أطعمة أساسية زهيدة الثمن، مثل البطاطس. ربما يسعد الروسيون بقبول المنتجات المعدلة جينيا، لكن ثمة شعوب أخرى تكون أقل إذعانا. فرغم ما تعاني منه مناطقهم من عجز، دخلت مجموعة من الدول الأفريقية، بقيادة إثيوبيا، في معركة قانونية ضد الدول المصدرة للحبوب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن حق الدول الأفريقية في حظر استيراد الطعام المعدل جينيا إذا لم تره آمنا؛ بالتأكيد يرجع القرار إليهم، لكن كنا نأمل أن يكون هذا مبنيا على أدلة علمية ، وليس على أساس هوى سياسي.
ماذا عن الدول التي تنتج ما يكفي لاستخدامها الخاص؟ ربما تدعي الهند حاليا أن لديها اكتفاء ذاتيا - رغم حقيقة أن 30٪ من السكان يعيشون في فقر مدقع - إلا أن إنتاجها الزراعي الحالي لن يستطيع تحمل الزيادة المتوقعة في عدد سكانها؛ من مليار نسمة حاليا إلى نحو مليار ونصف مليار نسمة في غضون 30 سنة. حاولت أنديرا غاندي ببسالة الترويج لتنظيم الأسرة على مدى عدة عقود ماضية، باستخدام إجراءات مثل توزيع مئزر مجاني على كل رجل يوافق على إجراء عملية قطع للقناة المنوية؛ لكن فشلت محاولاتها، ولم يتغير الوضع كثيرا منذ ذلك الحين. فيصعب إقناع الناس بتغيير نمط حياتهم إذا لم يعتادوا السعي للتجديد، الذي تتسم به الحياة في العالم الغربي. لم ينجح تنظيم الأسرة في الصين إلا بسبب حظر إنجاب طفل ثان. ورغم أن الهند تحتل المرتبة الأولى أو الثانية على مستوى العالم في إنتاج الأرز والقمح واللبن والسكر والشاي والسوداني والفواكه والخضراوات، يقل محصولها عن المتوسط العالمي بنحو من 20 إلى 40٪. فعلى سبيل المثال، يبلغ إنتاجها من الأرز 1,9 طن للهكتار، بينما يبلغ الرقم العالمي 3,7، وتصل الصين إلى ما يقرب من 6 أطنان.
صفحه نامشخص