جوهر انسانیت

زینب کاتیف d. 1450 AH
169

جوهر انسانیت

جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف

ژانرها

6

هل قرار تطعيم طفلك أو عدم تطعيمه بمثل هذه الصعوبة فعلا؟

سأتحول الآن إلى الحديث عن خطر الوفاة جراء الإصابة بنوع جديد من مرض كروتزفيلد جاكوب (بديل مرض كروتزفيلد جاكوب) يقال إنه ينتج عن تناول لحم من ماشية مصابة بالتهاب الدماغ الإسفنجي البقري (المعروف باسم مرض «جنون البقر»). في ثمانينيات القرن العشرين حدثت حالات تفش خطيرة لهذا المرض في المزارع الإنجليزية. وكان السبب المرجح لانتشار المرض على هذا النحو ممارسة تغذية الماشية على بقايا الذبائح، مثل المخ، المأخوذة من ماشية أخرى أو من الأغنام. حدثت أول حالة وفاة من بديل مرض كروتزفيلد جاكوب في عام 1995؛ وطوال السنوات الخمس التالية سقط 70 ضحية أخرى لهذا المرض المميت. بعبارة أخرى: أكثر من نحو 10 حالات في السنة، من بين نحو 59 مليون نسمة؛ ومن ثم فإن احتمال الوفاة حاليا إثر الإصابة ببديل مرض كروتزفيلد جاكوب هو نفسه تقريبا احتمال الإصابة بصاعقة البرق؛ نحو 1 في 10 ملايين. وهذا احتمال ضئيل للغاية مقارنة بخطر الموت إثر حادث سيارة، الذي يبلغ تقريبا 1 في 8 آلاف. لكن علينا ألا نستخف بالخطر المستقبلي؛ ففترة حضانة بديل مرض كروتزفيلد جاكوب طويلة للغاية، ويتطور المرض على مدار عدة سنوات بعد تناول اللحم المصاب بمرض جنون البقر. كما أن عدد ضحايا هذا المرض في تزايد طوال الوقت، وفي غضون بضع سنوات يتوقع أن يصل العدد إلى حالة وفاة يوميا أو حتى أكثر، رغم أن بيع اللحوم التي يحتمل أن تكون مصابة بمرض جنون البقر قد توقف منذ عدة سنوات. بالطبع علينا ألا نغفل الأسباب المنخفضة الخطورة. فيعتبر مرض كروتزفيلد جاكوب مرضا مؤلما ومميتا على الدوام. وإذا أردنا تجنبه، فإن مهمة العلماء تتمثل في إخبارنا بطريقة فعل هذا. لكن إذا أقلع أي شخص عن تناول لحم البقر خوفا من الإصابة ببديل مرض كروتزفيلد جاكوب، فعليه أن يدرك نوع الخطر الذي يكمن وراء هذا القرار. فنظرا لذبح كل القطعان المصابة بجنون البقر في المملكة المتحدة - نحو مليونين ونصف مليون رأس من الماشية بحلول عام 1998 - فلم تعد حاليا نسبة الإصابة بمرض جنون البقر في المملكة المتحدة أعلى من نسبته في الأجزاء الأخرى من أوروبا؛ لذلك فإن تناول الهامبرجر في لندن لا يمثل خطرا أكبر من تناوله في فرانكفورت. إلا أن إجمالي التكلفة التي تحملها دافع الضرائب البريطاني نظير فشل حكومته في التصرف سريعا لم تكن زهيدة؛ نحو 3 مليارات جنيه إسترليني حتى يومنا هذا. وبينما يكون من الأسهل عادة إصدار حكم على الأمور بأثر رجعي من استباق الأمور، فهل يصعب حقا إدراك أن تناول لحم حيوانات مريضة للغاية وتترنح في فناء المزرعة حتى تنهار لن يكون على الأرجح أمرا جيدا؟

يختلف إدراك المخاطر باختلاف الثقافات، ومثال على ذلك عقار ديبو بروفيرا المانع للحمل. يؤدي هذا العقار مفعوله لدى النساء عند حصولهن على حقنة واحدة كل ثلاثة أشهر في العضل. ولأنه ينطوي على خطر كبير يتمثل في الإصابة بنزيف وأعراض جانبية أخرى، لم يعد يستخدم في معظم دول العالم المتقدمة. لكن هذا الأمر لا ينطبق على الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى. فالسيدات هناك مستعدات لمواجهة احتمال الإصابة بمضاعفات نتيجة استخدام عقار ديبو-بروفيرا؛ لأن هذه المخاطر أقل بكثير من مخاطر عثور الزوج على أقراص منع الحمل أو لولب رحمي. فالأزواج يرمون بهذه الأشياء ويعرضون السيدات لحمل آخر من أجل إنجاب طفل لا يملك والداه المال الكافي لإطعامه؛ لذا من الأسهل إخفاء مكان أخذ الحقنة ومواجهة العواقب. مرت إحدى زميلاتي مؤخرا عبر قرية في جامبيا، في غرب أفريقيا. وذعرت عندما رأت سيارة جديدة لامعة تشق طريقها عبر الشوارع القذرة تعلن عن ماركة شهيرة للسجائر. كان المروجون يوزعون سجائر مجانية أيضا؛ وليس هذا فحسب، لكن كل علبة سجائر كانت تحتوي على كوبون يعطيك فرصة ربح هذه السيارة. يحدث هذا في قرية تفتقر إلى كافة سبل الراحة بداية من مياه الشرب النظيفة فصاعدا. تحدثت زميلتي إلى مجموعة من أهالي القرية؛ ألا يدركون أن التدخين يسبب السرطان؟ بلى ، كانوا يدركون المخاطر، لكنهم شعروا بأن سرطان الرئة لا يصيب إلا كبار السن، وأنهم على الأرجح سيموتون بسبب الملاريا أو الدوسنتاريا عند بلوغهم سن الخمسين. فبالنسبة لهم كان تدخين السجائر أحد المتع القليلة التي يجدونها في الحياة.

7

ففي رأيهم تعتبر الوفاة من السرطان رفاهية، وخطرا يستحق المجازفة .

النقطة التي أريد الإشارة إليها هي أن كل شيء نفعله يحمل قدرا معينا من المخاطر؛ الطعام الذي نأكله، والماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفسه. فيمكن أن يكون عبور الطريق عملا محفوفا بالمخاطر. كما أن الجلوس تحت نخلة في المنطقة الاستوائية له مخاطره.

8

هل تتوقف عن السباحة لأنك ربما تصاب بتشنجات في معدتك وتغرق؟ وهل تتوقف عن استخدام الطائرات بسبب خطر التعرض للموت في إحدى الكوارث الجوية؟ إن السفر بالطائرة أقل خطرا من قيادة السيارة. ففي المملكة المتحدة في عام 1999 حدثت 11 حالة وفاة في حوادث جوية، و33 حالة في حوادث قطارات، و3423 حالة في حوادث الطرق؛ ففي مقابل كل 50 مليار كيلومتر تقطع جوا تحدث حالة وفاة واحدة، ومقابل كل 2 مليار كيلومتر يقطع بالقطار تحدث حالة وفاة واحدة، وأمام كل 0,3 كيلومتر تقطع بالسيارة تحدث حالة واحدة. بالطبع يعتمد احتمال التعرض للقتل جوا على اختيار خط الطيران؛ فمع أفضل الخطوط الجوية المعروفة في أوروبا وأمريكا الشمالية، يكون مجرد خطر التعرض إلى حادث جوي - وليس بالضرورة التعرض للوفاة - أقل من واحد في المليون؛

9

صفحه نامشخص