جوهر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
ژانرها
24
كانت سهولة الداما والمبادئ المرتبطة بها السبب الذي أبقى على البوذية طوال ألفيتين ونصف؛ وهو السبب في أن البوذية حاليا تستهوي نحو 360 مليون معتنق لها في جميع أنحاء العالم.
كان كونج فو تسو أو «كونج الأستاذ»، الشهير باسم كونفوشيوس، موظفا حكوميا صينيا عاش من 551 إلى 479 قبل الميلاد. ورغم أنه عاصر بوذا تماما، فلا توجد أدلة مطلقا على أنهما التقيا؛ فقد كان التواصل بين الهند والصين، اللتين تفصلهما سلسلة جبال الهيمالايا، منعدما فعليا في هذا الوقت. نظرا لنشأته في فترة من حروب ونزاع بين مملكتي تشو الغربية والشرقية، أصبح كونفوشيوس مقتنعا بأن العودة إلى القيم السابقة السلمية أمر مطلوب. وأحد القواسم المشتركة مع الآراء التي عبر عنها في الوقت نفسه تقريبا أفلاطون في أثينا، أن كونفوشيوس رأى أن السلطة يجب أن تكون في أيدي الحكماء والصالحين؛ فتدين كثيرا حقيقة أن الالتحاق بالمناصب الحكومية العليا كان على أساس الجدارة للعقيدة الكونفوشيوسية. في أوروبا سرعان ما اندثرت أفكار أفلاطون المثالية؛ أما في الصين فقد سادت الفلسفة الكونفوشيوسية المجتمع لأكثر من ألفي سنة.
يعتبر وضوح رسالة كونفوشيوس وما تتسم به من حكمة مقنعين للغاية، حتى إن أقواله المأثورة أصبح يرددها السياسيون في جميع أنحاء العالم في عصرنا الحالي. إلا أن الأيديولوجية الكونفوشيوسية ارتبطت بالمجتمع الصارم في فترة الحكم الإمبراطوري، ولم يتضاءل تأثيرها في الصين إلا بعد عام 1911. وفي الواقع، يلقى عليها اللوم جزئيا في تدهور الإمبراطورية في الوقت الذي جلب فيه الابتكار والتقدم الأوروبيان الازدهار للدول الأوروبية والسيطرة على باقي أنحاء العالم. وفي عهد ماو تسي تونج، صار حال الكونفوشيوسية - مثل كل المعتقدات الأخرى عدا اعتقاد ماو في نفسه - أسوأ بكثير؛ فحلت أقوال الزعيم ماو محل أقوال كونفوشيوس. ومع ذلك كان القاسم المشترك بين أقوال ماو المأثورة وتصريحات الطغاة الآخرين الذين يقرون سياسات حمقاء ومؤذية، أنها لم تدم. فعادت أقوال الأستاذ كونج البليغة تسمع مرة أخرى في ووهان وبكين، وفي شانغهاي وجوانزو. وعادت القيم الكونفوشيوسية التقليدية من بر الوالدين واحترام المعلمين لتدعم التعليم الصيني، في وقت كان الافتقار للانضباط والحماس يقوض نظيره في الغرب. ومع ذلك، يقال إن ثمة 6 ملايين معتنق فقط للكونفوشيوسية.
ظهر رجل حكيم مؤثر آخر في القرن السادس قبل الميلاد. كان هذا الرجل هو لاو تسو، الذي كان أيضا موظفا حكوميا، وتناقضت معتقداته مع معتقدات كونفوشيوس من حيث كونها أكثر اهتماما بالعالم الطبيعي أكثر من الأخلاقيات الاجتماعية للإنسان؛ بمسار (داو) الطبيعة. نقح تعاليم الطاوية الفيلسوف الصيني تشوانج تسي في القرن الرابع قبل الميلاد، وعرضت في كتاب «الطريق وقوته» (داوديجنج). فمن خلال التأمل في مظاهر الطبيعة يحقق الإنسان سلاما داخليا. يدمج أتباع لاو تسو وتشوانج تسي المبادئ الصينية «التشي» (الطاقة الحيوية، التي تمد الكون بالطاقة عبر العديد من التغييرات التي تحدث فيه) و«الين» و«اليانج» (الأسلوبين المتقابلين لدراسة أي شيء) - التي تسبق جميعها ظهور الطاوية والكونفوشيوسية - في فلسفتهما؛ فتدفقت «اليانج تشي» إلى أعلى وصنعت السماوات، وتحركت «الين تشي» إلى الأسفل وصنعت الأرض. تتسم «اليانج تشي» بنقائها وخفة وزنها، أما «الين تشي» فتتسم بأنها عكرة وثقيلة الوزن. وعلى الإنسان أن يسعى إلى أن يتسم ب «الين»، فيعبر عن صفات أنثوية متفتحة، و«اليانج»، حيث يظهر صفات ذكورية نشطة، بصرف النظر عن نوعه. وأحيانا تكون الزيادة الطفيفة في أحدهما مطلوبة، لكن بوجه عام يجب أن تعكس حياة المرء توازنا دقيقا بين الاثنين.
25
رغم الاختلاف في موطن التركيز بين الكونفوشيوسية والطاوية، لم تحل أي منهما محل الأخرى؛ فكلا الفلسفتين مكملتان إحداهما للأخرى وتعتنقان جنبا إلى جنب، تماما كما تمارس الشنتوية والبوذية معا في اليابان. تعرضت تعاليم الطاوية وأديرتها - مثل أديرة البوذية في التيبت - للقمع على يد ماو؛ وواصل خلفاؤه قمعها. ومع ذلك، نجت مجموعات صغيرة، وازدهرت الطاوية في أماكن مثل تايوان وأماكن أخرى في آسيا.
نشأت كل من البوذية والكونفوشيوسية والطاوية منذ 2500 سنة؛ ومن ثم فإنها أحدث عمرا من الهندوسية واليهودية، ولكنها أقدم من المسيحية والإسلام. كما أن استمرارها أمر واضح من حقيقة أن البعض يرون أن أكثر من نصف سكان العالم يقال إنهم يقرون معتقداتهم.
26
يتناقض الترابط بين الإنسان والطبيعة الذي يميز هذه المعتقدات (وإلى حد ما الهندوسية بالإضافة إلى معتقدات آسيوية أخرى مثل الجاينية) بشدة مع تفرد الإنسان كما يظهر في تعاليم اليهودية والمسيحية والإسلام. فيسعى المؤمنون بالأولى إلى تحقيق نتيجة مرضية لحياتهم من خلال اتباع معتقدات فلسفتهم؛ بينما يعمل المؤمنون بالثانية على تحقيق علاقتهم الخاصة بالله.
صفحه نامشخص