جوهر انسانیت

زینب کاتیف d. 1450 AH
137

جوهر انسانیت

جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف

ژانرها

ليس شعور الخوف بالطبع حكرا على البشر؛ فنحن نشترك فيه مع معظم الحيوانات؛ فقد اعتاد كلبي بيدرو أن يرتجف وينكمش مرتعدا في جانب الغرفة مع كل دوي للرعد (وتغطي أمي وجهها بغطاء السرير). فمن المذهل مثل ظهور الزراعة في مجتمعات تفصلها آلاف الأميال عن المحيطات، ظهور الاعتقاد في وجود شكل ما من أشكال الإله الخارق للطبيعة في جميع أنحاء العالم، سواء في الثقافات المتطورة أو في الأماكن المعزولة في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا أو في شمال أوروبا أو أمريكا الشمالية. فإذا كانت الظواهر المخيفة من فعل الآلهة التي نؤمن بها، يمكننا إذن تقبل هذه الأحداث بسهولة؛ وبذلك نصل إلى إجابة مقنعة في بحثنا عن تفسير.

قد يعود ظهور إحدى صور العبادة الشعائرية إلى سكان الكهوف في العصر الحجري منذ 30 ألف سنة. فالصور الموجودة على جدران الكهوف وأسقفها عادة ما تظهر أشكال حيوانات كانوا يخافون منها أو يصطادونها. فجعلتنا حقيقة ممارستهم لهذا النشاط - بينما كان يفترض بهم الخروج للبحث عن الطعام أو صنع أدواتهم - نستنتج وجود هدف سحري أو ديني له. فربما كانوا يرسمون فهدا ليتجنبوا بطريقة أو بأخرى هجوم أحد الفهود عليهم، وكان رسم الغزال يحسن من فرص نجاحهم في اصطياد إحداها.

2

وكان رسم شكل الإنسان - السيدات على وجه التحديد - يؤدي إلى الخصوبة. لكن كيف كانت الكائنات من حولهم تدرك أن أحدا يرسم شكلها، وكيف كان يؤدي هذا إلى النتائج المرجوة؟ ظهرت فكرة وجود قوى من نوع ما في الطبيعة لديها من القوة ما يمكنها من التأثير في نشاط الحيوانات والبشر؛ وهي فكرة راسخة في أذهان البعض حتى يومنا هذا. كانت هذه الكيانات الخارقة تتحكم في كل شيء؛ ظهور الشمس والقمر، وحركة النجوم، وحدوث الرعد والبرق، وجريان المياه في الأنهار، وهطول الأمطار ونمو المحاصيل، كما كانت تتحكم في لحظة الوفاة أيضا. ومن خلال تبجيل هذه الأرواح واسترضائها - فقد تكون مؤذية مثل ثعبان أو نمر مرقط - يمكن ضمان حياة أفضل. ثمة تشابه بين الأديان البدائية ومعتقدات القبائل الوثنية التي تعيش خارج نطاق العالم المتحضر في عصرنا الحالي وممارساتهم،

3

تماما مثلما تشبه التكنولوجيا الموج الكواكب، ومن إجراء تجارب علىودة لدى هذه القبائل تلك التي كانت لدى الإنسان في العصر الحجري؛ فقد ظل الدين والتكنولوجيا جامدين مع مرور الزمن بسبب العزلة عن التيارات السائدة للسعي البشري. وبعيدا عن التقليل من شأن أي منهما، أرى أنهما يوضحان لي مدى براعة السعي الإنساني. فتمثل المعتقدات الدينية، سواء الحالية أو التي كانت تمارس منذ 5 آلاف سنة - تماما مثل التكنولوجيا - خطوة هائلة إلى الأمام في تطور العقل البشري على مدى آخر 100 ألف سنة. (1-1) العالم القديم

عبد السومريون آلهة كثيرة؛ فتروي ملحمة جلجامش عدم اكتراثه في البداية لقوى هذه الآلهة، وتنتهي بتقبله المتواضع لسلطتها. وفي أثناء رحلته عبر الحياة أحاط به طوفان هائل نجا منه عن طريق بناء قارب بنفسه. هل كان ذوبان الصفيحة الجليدية في القطب الشمالي منذ 7 آلاف سنة، في نهاية العصر الجليدي الأخير، مصدر هذه القصة؟ ارتفع منسوب البحر المتوسط بنحو 20 مترا في فترة زمنية قصيرة نسبيا، واندفعت المياه في مضيق البسفور، الذي كان في هذا الوقت جسرا أرضيا في الطرف الغربي للبحر الأسود، بقوة اندفاع تعادل مائتي ضعف شلال نياجرا. غمرت المياه المالحة البحر الأسود، فأدخلت بذلك كائنات المحيط لأول مرة إلى مياهه التي كانت عذبة من قبل. ارتفع الخط الساحلي للبحر الأسود بأكثر من 100 متر في بعض الأماكن. لا نعلم يقينا إذا كان هذا الحدث انتقل شفهيا طوال 3 آلاف سنة قبل تسجيله بالكتابة أم لا. لكن بمجرد تدوينه ربما استوحيت منه ملحمة نوح وسفينته كما سجلت في سفر التكوين بعد ألف عام من هذا.

4

كانت الفيضانات تحدث في أماكن أخرى - من البحر الكاريبي حتى الحيد المرجاني العظيم - في نهاية العصر الجليدي، وتمثل المصادر المحتملة للأساطير عن الفيضانات التي ظهرت في جميع أنحاء آسيا وأجزاء أخرى من العالم.

5

صفحه نامشخص